صناعة السفن في عزبة البرج تراث بحري خالد في دمياط

في مدينة عزبة البرج، التي تتبع محافظة دمياط، تظل صناعة السفن والمراكب الخشبية تحتفظ بمكانتها كواحدة من أبرز الحرف التراثية في مصر، تقع هذه المدينة عند مصب نهر النيل على البحر المتوسط، وقد ارتبط اسمها لعقود طويلة بالمراكب والسفن، حتى أصبحت وجهة مفضلة للصيادين وصناع البحر من جميع أنحاء الجمهورية.

صناعة السفن في عزبة البرج تراث بحري خالد في دمياط
صناعة السفن في عزبة البرج تراث بحري خالد في دمياط

زار مراسل “نيوز رووم” المدينة، وتجول بين الورش المنتشرة على ضفاف النيل، حيث لا تزال أصوات الشواكيش وهدير المناشير تتردد في الأرجاء، مما يدل على استمرار حرفة قاومت تقلبات الزمن، والتقى خلال الجولة بالحاج أحمد، أحد أقدم الصناع في عزبة البرج، الذي يمارس صناعة السفن منذ أكثر من خمسين عامًا.

يقول الحاج أحمد: “من وأنا طفل وأنا في الورشة، اتعلمت من أبويا وجدي، والمهنة دي مش مجرد شغل، دي حياة كاملة، كل مركب بنشتغل عليه له روح، وبيبقى فرحتنا لما ينزل النيل”

الخبرة والمهارة

تبدأ صناعة السفينة من اختيار نوع الخشب، وغالبًا ما يكون الزان أو التك أو الماهوجني، لما تتمتع به من صلابة ومقاومة لعوامل الرطوبة والملوحة، بعد ذلك تبدأ عمليات التقطيع والتجميع الدقيقة، التي تعتمد بشكل كبير على الخبرة والمهارة اليدوية، مرورًا بمرحلة العزل والطلاء، حتى تصبح السفينة جاهزة للإبحار.

ورغم جودة الإنتاج وسمعة المدينة، إلا أن المهنة لم تعد كما كانت، يشير الحاج أحمد إلى عدة تحديات تواجه هذه الصناعة، منها ارتفاع أسعار الخامات، وصعوبة استيراد الأخشاب، وتراجع الطلب على السفن بسبب تراجع حركة الصيد، كما أن عزوف الشباب عن تعلم الحرفة أدى إلى نقص في العمالة المدربة، في ظل غياب الدعم الفني أو أي مظلة تأمينية للصناع.

ويضيف: “زمان كنا بنشتغل طول الأسبوع، وكانت الورش كلها مليانة صنايعية، دلوقتي الشغل قل، والمهنة في خطر لو مفيش دعم أو اهتمام”

وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، لا تزال عزبة البرج تحتفظ بمكانتها كقلعة لصناعة السفن في مصر، يحرص الكثير من أصحاب مراكب الصيد من مختلف المحافظات على القدوم إلى هنا لتفصيل مراكبهم، بل وتمتد شهرة بعض الورش إلى دول عربية، حيث يتم تصدير بعض المراكب إليها.

ويختتم الحاج أحمد حديثه برسالة إلى المسؤولين: “المهنة دي لازم تفضل، ولازم يبقى في دعم حقيقي، مدارس مهنية، وتشجيع للصنايعية، إحنا بندي لمصر صناعة عظيمة من قلب البحر، ومش عايزينها تموت”

تبقى صناعة السفن في عزبة البرج شهادة حية على تراث بحري مصري أصيل، ومصدر فخر واعتزاز لكل من يعمل بها، وهي بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والرعاية، لتستمر وتنتقل إلى الأجيال القادمة دون أن تفقد هويتها أو قيمتها.