في ذكرى التأميم كيف ساهمت إيرادات قناة السويس في دعم الاقتصاد المصري لعقود؟

أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، لتتحول من شركة أجنبية تحت سيطرة رأس المال الفرنسي والبريطاني إلى مرفق سيادي مصري خالص، وكان قرار التأميم ليس مجرد إجراء إداري بل لحظة مفصلية في تاريخ الاقتصاد والسيادة الوطنية، حيث نقلت مصر إلى مسار جديد من التحكم في مواردها الاستراتيجية، وفي قلبها الممر الملاحي الأهم في العالم.

في ذكرى التأميم كيف ساهمت إيرادات قناة السويس في دعم الاقتصاد المصري لعقود؟
في ذكرى التأميم كيف ساهمت إيرادات قناة السويس في دعم الاقتصاد المصري لعقود؟

القناة.. شريان نقد أجنبي لا ينضب:

منذ اللحظة الأولى للتأميم، بدأت قناة السويس تدر على الدولة إيرادات ضخمة من العملة الصعبة، شكلت مصدرًا حيويًا لدعم ميزان المدفوعات، فالقناة لم تعد فقط ممراً مائيًا، بل أصبحت أداة اقتصادية وسياسية استراتيجية، تُمكّن مصر من مواجهة التحديات، ودعم السوق المحلي، ومساندة المواطنين ولو بشكل غير مباشر، عبر تمويل المشروعات، وتوفير العملة الأجنبية، وضبط التوازنات في أوقات الأزمات، وأوضحت بيانات رسمية أن القناة وفرت على مدار عقود مورداً ثابتاً من النقد الأجنبي، ساهم في تمويل استيراد السلع الأساسية وسداد الالتزامات الدولية، وبحسب إحصائيات هيئة قناة السويس، بلغ إجمالي إيرادات القناة في العام المالي 2023/2024 نحو 10.3 مليار دولار، مقارنة بـ8.6 مليار دولار في 2021/2022، وهو أعلى دخل سنوي في تاريخ القناة حتى الآن.

دعم احتياطي النقد الأجنبي وتخفيف عجز الموازنة

تُمثل إيرادات قناة السويس أحد الركائز الثلاث الكبرى التي يعتمد عليها الاحتياطي الأجنبي في مصر، إلى جانب تحويلات المصريين في الخارج والصادرات، وتقوم الدولة بتوظيف العائدات في، تغطية جزء من فاتورة الواردات (وخاصة الطاقة، والسلع التموينية)، سداد أقساط الديون الخارجية، دعم قيمة الجنيه في مواجهة تقلبات السوق العالمية إلى جانب تخفيف الضغوط التضخمية من خلال تحسين ميزان المدفوعات، وتقدر مساهمة القناة في ميزان الحساب الجاري المصري بما يتراوح بين 2.5 إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا.

ورقة ضغط جيوسياسية واقتصادية

إلى جانب الجانب المالي، اكتسبت مصر من خلال سيطرتها على القناة ورقة نفوذ استراتيجية في العلاقات الدولية، فمع كل أزمة تمر بها المنطقة أو التجارة العالمية مثل أزمة جنوح السفينة إيفرغيفن في 2021، أو توترات البحر الأحمر في 2024، تصبح قناة السويس نقطة محورية في خريطة الاقتصاد العالمي، وهذا يعزز من قدرة الدولة على التفاوض، ويمنح الاقتصاد المصري حصانة نسبية أمام التقلبات، نظرًا لارتباط مصالح القوى الكبرى بملاحة آمنة عبر القناة.

الهجمات الحوثية ونزيف التجارة

في الآونة الأخيرة، وخصوصًا في 2024، تعرضت قناة السويس لتحديات كبرى بعد تصاعد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، مما تسبب في تراجع مؤقت لإيرادات القناة، إثر تحوّل بعض الخطوط الملاحية لطريق رأس الرجاء الصالح، إلا أن الحكومة المصرية وضعت خطة لتعويض الخسائر عبر تقديم حوافز ملاحية للشركات، إطلاق حملات تسويقية لجذب المرور، توسيع مسار القناة لتقليل زمن العبور ورغم التحديات، أثبتت القناة أنها مورد استراتيجي متجدد، حيث عادت الإيرادات للارتفاع خلال النصف الثاني من 2025 بنسبة نمو 12% مقارنة بالنصف الأول.

استثمار في المستقبل

في عام 2022، صدر قانون بإنشاء صندوق هيئة قناة السويس، الذي يهدف إلى إدارة واستثمار الفوائض المالية للقناة في مشروعات استراتيجية، ورغم الجدل الذي أثاره القانون، فإن فلسفة الصندوق تقوم على، «تعظيم العائدات من خلال استثمارات داخلية وخارجية، إنشاء ذراع تمويلي مستدام بعيدًا عن ميزانية الدولة، الحفاظ على القناة كأصل قومي غير قابل للتنازل أو التفريط».