رحلة العملة المصرية من الديبن الفرعوني إلى الجنيه الرقمي

في يد الفلاح، في محفظة الموظف، في حقيبة الطالب، وعلى طاولة البائع البسيط، كان الجنيه المصري حاضرًا دائمًا، يتنقل بين الأيدي ويحمل في طياته حكايات أجيال، لم يكن مجرد ورقة أو قطعة معدنية، بل شاهد على تقلبات التاريخ، من أزمنة الازدهار إلى لحظات الشدة.

رحلة العملة المصرية من الديبن الفرعوني إلى الجنيه الرقمي
رحلة العملة المصرية من الديبن الفرعوني إلى الجنيه الرقمي

بدأت حكايته في عهد محمد علي، لكنه وُلِد من رحم نظام نقدي أقدم بكثير، مر عبر حضارات وحقب، من الديبن الفرعوني إلى البوليمر العصري، وبين تلك النقاط، تتشكل سيرة طويلة تختلط فيها السياسة بالاقتصاد، وتختبئ فيها ملامح مصر كما لم نرها من قبل.

ما قبل الجنيه.. حين كان القمح عملة

في العصور الفرعونية، لم يكن هناك ما يُعرف بالنقود المعدنية، بل اعتمد المصري القديم على نظام المقايضة، حيث كانت تُبادل السلع مثل القمح والماشية والنحاس.

كانت وحدة القياس الأساسية للقيمة تُسمى الديبن، وهي وزن يحدد مقدار المعادن أو الحبوب، ولم تظهر العملات المعدنية إلا بعد دخول الفرس واليونانيين إلى مصر.

النقود الإسلامية.. الدينار والدراهم في قبضة القاهرة

مع دخول الإسلام إلى مصر عام 641 ميلاديًا، بدأت الدولة الأموية ثم العباسية في سك الدنانير والدراهم، وغلب على تصميمها الطابع الديني.

كانت الدنانير ذهبية والدراهم فضية، وكانت النقوش الإسلامية أبرز ما يميزها، واستخدمها المصريون في حياتهم اليومية لقرون طويلة.

العملات العثمانية والاختلاط بالنقد الأوروبي

خلال الحكم العثماني لمصر من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر، سادت عملات مثل المجيدي والقرش العثماني، وبدأ التداول أيضًا بعملات أجنبية مثل النابليون الفرنسي والجنيه الإنجليزي.

في هذه الفترة، لم يكن هناك عملة وطنية خالصة، بل كانت السوق تعتمد على تعدد العملات، ما أثار فوضى في القيم الشرائية.

ميلاد الجنيه المصري عام 1836

جاءت لحظة التحول مع محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، حين قرر سك أول عملة مصرية باسم “الجنيه المصري” عام 1836، وكان من الذهب الخالص.

رغم سك الجنيه، إلا أن العملات الأجنبية استمرت لفترة، ولم يُفرض الجنيه رسميًا إلا مع تأسيس البنك الأهلي المصري في 1898 كجهة مصدرة للنقد الجنيه في العصر الملكي والجمهوري.

في زمن الملك فؤاد ثم فاروق، تطور شكل الجنيه ليحمل صور الملوك، وتم سك عملات ورقية ومعدنية تحمل الطابع المصري.

بعد ثورة 1952، بدأت الجمهورية في إصدار عملات تحمل رموزًا وطنية كأهرامات الجيزة وصور الزعماء مثل جمال عبد الناصر.

مر الجنيه بفترات من القوة والتراجع، فكان يعادل الجنيه الإسترليني في بدايات القرن العشرين، لكنه فقد كثيرًا من قيمته في العقود التالية، خصوصًا بعد تعويم الجنيه في 2016.

من الورق إلى البوليمر.. نقود المستقبل

في عام 2021، أعلنت مصر بدء إصدار عملات بلاستيكية مصنوعة من مادة البوليمر، بدأت بفئة العشرة جنيهات، ثم العشرين جنيهًا، ضمن خطة تستهدف تحسين عمر العملة وجودتها، وتقليل تكلفة الطباعة، ومكافحة التزوير.