في ظل تقلبات اقتصادية عالمية وصعوبات داخلية، حقق الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر قصة نجاح ملهمة خلال العقد الماضي، ورغم التحديات التي شملت اضطرابات سياسية وإصلاحات جذرية وأزمات عالمية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، استطاعت الدولة أن تعيد بناء رصيدها الاستراتيجي من العملات الأجنبية، ليصبح أحد أبرز مؤشرات القوة الاقتصادية.

مقال مقترح: أمطار غزيرة في جميع مناطق الإسكندرية صباح اليوم
استغرقت هذه الرحلة عشر سنوات، بدأت من مستويات متدنية لم تتجاوز 16 مليار دولار في 2015، وصولًا إلى أكثر من 46 مليار دولار في منتصف 2025، وذلك بفضل سياسات نقدية مدروسة وتحولات جذرية في هيكل الاقتصاد، بالإضافة إلى برامج تعاون دولي وطرح أصول، مما أعاد الثقة في قدرة مصر على الصمود ومواكبة المتغيرات.
في عام 2015، كان صافي الاحتياطي النقدي يعاني من انخفاض حاد، متأثرًا بتراجع موارد الدولة من العملات الأجنبية، خاصة في ظل تبعات ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وضعف الاستثمارات الأجنبية، وتراجع السياحة، وكذلك تراجع حركة قناة السويس، مما أدى إلى انخفاض الاحتياطي إلى نحو 16.4 مليار دولار فقط في منتصف 2015.
نقطة التحول.. التعويم والإصلاح الاقتصادي (2016 – 2019):
مع بداية ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي الأولى، شرعت الدولة في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وتحديدًا في نوفمبر 2016 عندما اتخذت مصر القرار التاريخي بتحرير سعر صرف الجنيه، وهو القرار الذي شكل نقطة تحول فارقة.
على الرغم من التداعيات الاجتماعية في البداية، ساهم التعويم في جذب التدفقات النقدية الدولية، وأعاد بناء الثقة في الاقتصاد المصري، مما دفع الاحتياطي للارتفاع إلى أكثر من 36 مليار دولار في 2017، واستمر النمو حتى تجاوز 45.5 مليار دولار بنهاية 2019، وهو أعلى رقم في تاريخ مصر حينها.
اقرأ كمان: رئيس البنك الزراعي يؤكد التزامنا القوي بدعم مبادرات صغار المربين والمستثمرين
شهدت تلك الفترة استقرارًا نسبيًا في سعر الصرف، وتدفقات قوية من الاستثمار الأجنبي غير المباشر، وزيادة ملحوظة في تحويلات العاملين بالخارج، وتعافي قطاع السياحة، مما منح البنك المركزي فرصة لتكوين غطاء نقدي آمن يغطي أكثر من 8 أشهر من الواردات.
الصدمة الكبرى.. جائحة كورونا (2020 – 2021):
في عام 2020، اجتاحت جائحة كورونا الاقتصاد العالمي بشكل قاسٍ، وكانت مصر من الدول المتأثرة بشدة، خاصة مع توقف السياحة وتراجع إيرادات قناة السويس مؤقتًا، وخروج أكثر من 20 مليار دولار من الاستثمارات الساخنة في غضون أسابيع.
نتج عن ذلك انخفاض صافي الاحتياطي النقدي من 45 مليار دولار إلى نحو 36 مليار دولار، ورغم حدة الأزمة، استطاعت مصر أن تصمد دون فرض قيود على النقد الأجنبي، مستفيدة من مرونة السياسات النقدية والدعم الدولي من مؤسسات التمويل مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ما بعد الجائحة.. الحرب الروسية وأزمة التضخم العالمية (2022 – 2024)
لم يمض وقت طويل على انتهاء الجائحة حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، مما أشعل أزمة غذاء وطاقة عالمية أثرت بشدة على الاقتصادات الناشئة، خاصة الدول المستوردة مثل مصر.
ارتفعت فاتورة الواردات، خاصة القمح والوقود، وواجه الجنيه ضغوطًا كبيرة أمام الدولار، ومع ذلك، حرص البنك المركزي على الحفاظ على مستوى آمن من الاحتياطي، مدعومًا باتفاقيات تمويل خليجية وصفقات استثمار مباشر من الإمارات والسعودية وقطر في أصول استراتيجية، بما في ذلك موانئ ومناطق لوجستية.
رغم الظروف العالمية الصعبة، استقر الاحتياطي خلال هذه الفترة حول مستويات 33 – 35 مليار دولار، دون حدوث انخفاض حاد، وهو ما اعتبره الخبراء مؤشرًا على قدرة الدولة على إدارة الأزمة بفعالية.
مرحلة التعافي والتوسع (2024 – 2025): الاحتياطي يعود للصعود
مع استقرار الأوضاع العالمية تدريجيًا وتحقيق تقدم في برنامج الطروحات الحكومية وعودة ثقة المستثمرين الأجانب، بدأت مصر مرحلة جديدة من التعافي.
وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، بلغ الاحتياطي النقدي نحو 46 مليار دولار في يونيو 2025، متجاوزًا مستويات ما قبل كورونا، مما يؤكد نجاح الدولة في بناء منظومة نقدية مرنة وقادرة على امتصاص الصدمات.
تُعزى هذه الزيادة إلى عدة عوامل، أبرزها التوسع في الصادرات غير البترولية، استمرار تحويلات المصريين بالخارج التي تجاوزت 30 مليار دولار سنويًا، توقيع اتفاقيات تمويلية جديدة مع صندوق النقد، تحسن الإيرادات السياحية، وزيادة الاستثمارات الخليجية المباشرة ضمن سياسة الدولة لفتح المجال أمام القطاع الخاص.
أهمية الاحتياطي النقدي في الاقتصاد المصري
يُعتبر صافي الاحتياطي النقدي أحد أهم المؤشرات التي يراقبها المستثمرون والمؤسسات الدولية، كونه يمثل قدرة الدولة على سداد التزاماتها من الديون الخارجية وتغطية الواردات وضبط أسعار الصرف، خاصة في أوقات الأزمات.
وقد وضعت مصر على مدار السنوات الأخيرة سياسة واضحة لزيادة وتنويع مصادر النقد الأجنبي، وعدم الاعتماد فقط على قطاع واحد، وهو ما ساعدها على مواجهة أزمات متعاقبة دون انهيار مالي.