ألغاز سرابيوم سقارة وإعجازها الهندسي الذي يتحدى الفهم

تُعتبر الحضارة المصرية القديمة غامضة بشكل كبير، حيث تحمل في طياتها العديد من الألغاز والتساؤلات التي لا تزال محيرة للباحثين، رغم أن الكثير من أسرارها قد تم كشفها، مثل بناء الأهرامات والمعابد والمسلات الضخمة، إلا أن هناك ألغازًا لم تجد تفسيرًا بعد، ومن أبرز هذه الألغاز هو سيرابيوم سقارة.
ما هو السرابيوم؟
أوضح عمرو الطيبي، مدير عام آثار سقارة، أن السرابيوم هو معبد ديني مخصص لعبادة المعبود سيرابيس، الذي يجمع بين معبودين من معبودات مصر القديمة، وهما أوزوريس وأبيس، وتعود هذه العبادة إلى العصر اليوناني في مصر، ورغم وجود عدة مواقع للسرابيوم في مصر وإيطاليا، إلا أن سرابيوم سقارة يتمتع بأهمية خاصة وتعقيد معماري استثنائي.
تفاصيل معمارية فريدة
يتألف سرابيوم سقارة من مجموعة من الأنفاق والسراديب التي تم حفرها في صخور هضبة سقارة، ويبلغ طولها حوالي 400 متر، ويبدأ الموقع بممر رئيسي مستقيم يمتد بطول 136 مترًا، وعلى جانبيه توجد 24 غرفة دفن مقببة منحوتة في الصخر، ولم تُحفر هذه الغرف بشكل متقابل بل بالتبادل لتجنب الضغط على التربة، ويحتوي السرابيوم على 26 تابوتًا مصنوعة من صخور صلبة مثل الجرانيت الأحمر والأسود والبازلت والكوارتز والديورايت، وهي خالية من النقوش باستثناء تابوت واحد.
ألغاز حفر الأنفاق
قال الباحث فاروق شرف، خبير الترميم المعروف، إن الأنفاق تثير تساؤلات كبيرة حول كيفية حفرها، فالنفق الرئيسي مستقيم تمامًا، وهو ما يصعب تحقيقه باستخدام الأدوات اليدوية البدائية، ويعتقد بعض الخبراء أن هذا الاستواء والدقة يتطلبان وجود آلات حفر متطورة، ومن الغرائب الأخرى للأنفاق أنها تبقى باردة في الصيف وحارة جدًا في الشتاء، مما يضيف لغزًا آخر.
إعجاز صناعة التوابيت
تُعتبر التوابيت الجرانيتية لغزًا في حد ذاتها، فكل تابوت منحوت من كتلة صخرية واحدة، ويصل وزن بعضها إلى 100 طن، وهذه الصخور شديدة الصلابة ولا يمكن التعامل معها بالأدوات النحاسية أو الحجرية المستخدمة في العصور القديمة، ويؤكد الخبراء أن نحت وصقل هذه الصخور يتطلب استخدام قواطع ألماس وآلات متطورة، وتتميز التوابيت بدقة هندسية مذهلة، حيث جميع الزوايا الداخلية والخارجية هي زوايا قائمة تمامًا (90 درجة) وبنسبة خطأ لا تتجاوز 0.02%، مما يشير إلى استخدام تكنولوجيا متقدمة، وقد حاولت إحدى كبرى شركات الرخام الأمريكية صنع تابوت مشابه في الحجم والشكل، لكنها اعتذرت لعدم توفر المعدات اللازمة لتحقيق تلك الدقة.
تساؤلات حول النقل والوظيفة
من أكبر الألغاز أيضًا هو كيفية تمكن المصريين القدماء من نقل هذه التوابيت الضخمة ووضعها داخل الأنفاق الضيقة ذات المدخل الواحد، فالتابوت الذي يزن 100 طن يتطلب قوة ألف رجل لنقله، بينما لا تتسع الأنفاق لأكثر من 50 رجلًا، أما عن وظيفة التوابيت فلا يزال الغموض يكتنفها، فقد عُثر عليها مغلقة باستثناء تابوت واحد، لكنها كانت جميعًا خالية من أي مومياوات أو جثث للعجل “أبيس”، ويطرح بعض العلماء نظرية مثيرة للجدل، تفيد بأن هذه التوابيت قد تكون بمثابة «بطاريات عملاقة» لتوليد أو تخزين الطاقة، وذلك بسبب ضخامتها وتصميمها ككتلة واحدة بدون فواصل، ويدعم هذه النظرية وجود تابوت في نهاية النفق لم يكتمل عمله، وكأن العمل توقف فجأة.