بعد وفاته .. صنع الله إبراهيم رائد بارز في الأدب العربي وترك إرثا خالدا

بعد وفاته .. صنع الله إبراهيم رائد بارز في الأدب العربي وترك إرثا خالدا

توفي الأديب الكبير منذ قليل عن عمر يناهز 88 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا غنيًا أثار الجدل وألهم الأجيال، فلم يكن إبراهيم مجرد كاتب، بل كان شاهدًا على عصره، وساردًا أمينًا لتناقضاته، ومدافعًا صلبًا عن قناعاته

مسيرة الأديب الراحل صنع الله إبراهيم

يعتبر الأديب الراحل صنع الله إبراهيم من أبرز رواد الأدب في مصر، كما أنه علامة بارزة في الأدب المصري، وله مجموعة متنوعة من الأعمال المميزة، ودخلت بعض رواياته قائمة أفضل مائة رواية عربية

وُلد “صنع الله” في القاهرة عام 1937م، وكان لوالده تأثير كبير على شخصيته، فقد زوده بالكتب والقصص وحثه على الاطلاع، مما ساعد على تشكيل شخصيته الأدبية منذ الصغر

درس صنع الله إبراهيم الحقوق، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة، انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية “حدتو”، فاعتُقل عام 1959م وسُجن في سجن الواحات لمدة خمس سنوات حتى عام 1964م

بعد خروجه من السجن، عمل في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية عام 1967م، ثم انتقل للعمل في وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام 1968م، حتى عام 1971م، ثم اتجه إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي والعمل على صناعة الأفلام، وعاد إلى القاهرة عام 1974م في عهد الرئيس السادات، وتفرغ تمامًا للكتابة الحرة عام 1975م

على الرغم من قسوة تجربته، إلا أنها كانت نقطة تحول في حياته، حيث صقلت وعيه السياسي وزادت من إصراره على التعبير عن آرائه بحرية، ففي السجن وُلِد الكاتب الحقيقي داخل صنع الله إبراهيم، حيث كتب ملاحظاته الأولى وبدأت تتشكل ملامح مشروعه الأدبي

أسلوب أدبي فريد

تميزت أعمال صنع الله إبراهيم بأسلوبها السردي الفريد الذي يبتعد عن الحبكة التقليدية، فقد اعتمد على أسلوب قريب من التسجيل الصحفي، حيث سرد التفاصيل اليومية والتاريخية بدقة، ليقدم صورة واقعية للمجتمع المصري والعربي

من أبرز سمات كتاباته أن صنع الله إبراهيم لم يلتزم بقوالب أدبية جاهزة، بل كان دائمًا ما يجرب أشكالًا جديدة في السرد، كما أنه وجه انتقادات صريحة للمؤسسة السياسية والاجتماعية، وكشف عن الفساد والظلم والاستبداد، وكانت القضايا العربية، مثل الصراع العربي الإسرائيلي والتحولات السياسية، حاضرة بقوة في رواياته، كما حرص على تسليط الضوء على حياة البسطاء والمهمشين والمهزومين، ومنحهم صوتًا في أعماله

روايات خالدة في الذاكرة

قدّم الأديب صنع الله إبراهيم مجموعة من الروايات التي أصبحت علامات بارزة في الأدب العربي الحديث، من أشهر أعماله:

“تلك الرائحة” (1966)، تُعتبر من أوائل أعماله التي عكست تجربته في السجن، وفتحت آفاقًا جديدة في السرد العربي
“نجمة أغسطس” (1974)، وثقت الأجواء التي سبقت حرب 1967، وكشفت عن التناقضات التي كان يعيشها المجتمع المصري

“اللجنة” (1981)، تُعد من أهم رواياته، وتقدم نقدًا ساخرًا للممارسات السياسية في مصر في فترة السادات

“شرف” (1997) التي تحتل المرتبة الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية، وهي رواية جريئة تُدين الفساد في السجون والمؤسسات، وتُعتبر من أكثر أعماله إثارة للجدل

رفضه جائزة الملتقى العربي

في عام 2003، رفض صنع الله إبراهيم استلام جائزة الملتقى العربي للقصة القصيرة، التي كانت تُمنح من قبل وزارة الثقافة المصرية، في موقف شجاع أثار اهتمام الرأي العام

برر إبراهيم موقفه بأن الجائزة تُمنح من نظام لا يؤمن بالحرية، ويعتقل المثقفين ويضيق على الحريات العامة، كان هذا الموقف تجسيدًا حيًا لقناعته بأن الأديب يجب أن يكون حرًا ومستقلًا عن السلطة

رحل صنع الله إبراهيم تاركًا بصمة لا تُمحى في الأدب العربي، ليس فقط بأعماله الأدبية الخالدة، بل بمواقفه المبدئية التي جعلت منه رمزًا للمقاومة والحرية والكرامة الإنسانية