أزمة المياه في قطاع غزة تهدد صحة الفلسطينيين وحياتهم

في مخيم المواصي، الذي يُعتبر واحدًا من أكبر مخيمات النازحين في وسط غزة، يواجه مئات الآلاف من الفلسطينيين حرارة الصيف القاسية، التي تؤثر على الجميع، سواء الكبار أو الصغار، خاصة في ظل أزمة المياه التي تعاني منها المنطقة، فالوصول إلى المياه النظيفة بات أمرًا بالغ الصعوبة، حيث تأتي شاحنات المياه كل يومين أو ثلاثة، مما يضطر الفلسطينيين لملء الزجاجات والأسطوانات ونقلها إلى منازلهم على عربات، مما يشكل معاناة حقيقية، ليس فقط بسبب صعوبة النقل، بل أيضًا لأن الحصول على مياه نظيفة يشكل خطرًا صحيًا كبيرًا يهدد حياتهم، وفقًا لتقرير وكالة «أسوشيتد برس».

الفلسطينيون يحتفظون بالمياه للأيام المقبلة

تُعتبر كل قطرة ماء ثمينة، سواء كانت للشرب أو الطهي أو التنظيف، وفي ظل قلة توافرها، يحرص الفلسطينيون على استخدام جزء منها فقط، ويحتفظون ببعض الماء العكر في عبواتهم، تحسبًا لما قد يحمله الغد، خاصة مع القيود المفروضة على واردات الوقود والكهرباء، التي تعيق تشغيل محطات تحلية المياه، بالإضافة إلى اختناقات البنية التحتية وأضرار خطوط الأنابيب.

تسببت هذه العوامل مجتمعة في تقليص إيصال المياه إلى أدنى حد، مما أثر على جودة طبقات المياه الجوفية في غزة، لتصبح ملوثة بمياه الصرف الصحي وحطام المباني المدمرة، حيث تشير منظمات الإغاثة وشركات المرافق المحلية إلى أن معظم الآبار أصبحت غير قابلة للاستخدام أو مدمرة بالكامل.

أزمة المياه تساهم في تفشي الأمراض

في هذه الأثناء، أدت أزمة المياه إلى تفشي الأمراض، إضافة إلى تفاقم المجاعة في غزة، حيث أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» مؤخرًا أن مراكزها الصحية تستقبل حوالي 10,300 مريض أسبوعيًا مصابين بأمراض معدية، منها الإسهال الناتج عن المياه الملوثة، التي يحصلون عليها داخل القطاع، مما يهدد صحتهم بشكل كبير.

تجري الآن جهود للتخفيف من أزمة نقص المياه، لكن بالنسبة للعديد من الناس، لا يزال الأمل موجودًا رغم المخاطر التي قد تظهر قبل وصول الإمدادات الجديدة، ويزداد العطش مع اقتراب موجة الحر، حيث وصلت درجات الحرارة في غزة يوم الجمعة إلى 35 درجة مئوية، وفي هذا السياق، أشار محمود الدبس، وهو أب نازح من مدينة غزة إلى مخيم المواصي، إلى أن الكثير من الفلسطينيين يضطرون لشرب مياه غير صالحة للاستخدام.

من جانبها، قالت بشرى الخالدي، المسؤولة في منظمة أوكسفام، إن القليل من الناس الذين يمتلكون خزانات مياه على أسطح منازلهم لا يستطيعون جمع ما يكفي من المياه لتنظيفها، مما يجعل ما يتدفق من صنابيرهم أصفر وغير آمن للاستخدام.

قبل اندلاع الحرب، كان سكان القطاع الساحلي، الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة، يحصلون على مياههم من مصادر متنوعة، منها ما يُضخ عبر أنابيب شركة ميكوروت، وبعضها من محطات تحلية المياه، بالإضافة إلى مياه تُستخرج من آبار عالية الملوحة، وبعضها يُستورد في زجاجات، لكن الآن أصبح كل مصدر معرضًا للخطر.

آثار المياه غير النظيفة لا تظهر على الفور

يعتمد الفلسطينيون بشكل كبير على المياه الجوفية، التي تشكل اليوم أكثر من نصف إمدادات غزة، وقد كانت مياه الآبار تاريخيًا قليلة الملوحة، لكنها لا تزال صالحة للاستخدام في التنظيف والاستحمام والزراعة، وفقًا لمسؤولي المياه الفلسطينيين ومنظمات الإغاثة.

وفي هذا السياق، قال مارك زيتون، المدير العام لمركز جنيف للمياه، إن آثار شرب المياه غير النظيفة لا تظهر دائمًا بشكل فوري، حيث تختلط مياه الصرف الصحي غير المعالجة بمياه الشرب، وعندما يتم شربها أو غسل الطعام بها، فإن ذلك قد يؤدي للإصابة بالميكروبات، مما قد يتسبب في الزحار، وهو إسهال دموي حاد، مضيفًا أنه إذا تم تناول مياه مالحة أو قليلة الملوحة، فإن ذلك يمكن أن يدمر الكليتين ويحتاج الشخص إلى غسيل الكلى لعقود.

يبلغ متوسط كمية المياه التي يتسلمها كل فرد أقل من ثلاثة لترات (12.5 كوبًا) يوميًا، وهو جزء ضئيل من الحد الأدنى البالغ 15 لترًا، الذي تُقدِّره المنظمات الإنسانية للاحتياجات الأساسية من الشرب والطهي والنظافة، وفي فبراير، شكل الإسهال المائي الحاد أو الزحار أقل من 20% من الأمراض المُبلَّغ عنها في غزة، لكن بحلول يوليو، ارتفعت هذه النسبة إلى 44%، مما يزيد من خطر الجفاف الشديد، وفقًا لتقارير «اليونسيف» منظمة الأمم المتحدة للطفولة.