صافي الأصول الأجنبية كمؤشر للاقتصاد خلال فترات العجز وعلامات التعافي

صافي الأصول الأجنبية كمؤشر للاقتصاد خلال فترات العجز وعلامات التعافي

عند الحديث عن قوة الاقتصاد، يتبادر إلى الذهن معدلات النمو وحجم الاستثمارات، لكن هناك مؤشر آخر أكثر دلالة على قدرة الدولة على مواجهة الأزمات، وهو صافي الأصول الأجنبية في البنوك، فهذا المؤشر لا يقيس أرقامًا فقط، بل يُظهر توازنًا دقيقًا بين ما تمتلكه المؤسسات المصرفية من عملات صعبة وما عليها من التزامات، فعندما يكون هناك فائض، فهذا يعني توفر موارد نقد أجنبي، أما في حالة العجز، تتضح التحديات التي يواجهها الاقتصاد في تلبية احتياجاته الدولارية.

على مدار عام كامل، شهد صافي الأصول الأجنبية في مصر رحلة مليئة بالتحديات، إذ بدأ العام في حالة عجز ملحوظ بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وخروج استثمارات أجنبية كبيرة، وضغوط فاتورة الاستيراد، قبل أن تظهر بوادر تحسن تدريجي مع تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وعودة بعض التدفقات الدولارية.

هذا التحقيق يسعى لاستكشاف كيفية تطور صافي الأصول الأجنبية خلال العام، وما العوامل التي أثرت عليه، وكيف انعكست تلك التغيرات على المواطنين والسوق.

ما هو صافي الأصول الأجنبية؟ ولماذا هو مهم؟

ببساطة، صافي الأصول الأجنبية هو رصيد العملات الأجنبية داخل البنوك مطروحًا منه التزاماتها الخارجية، فإذا زادت الأصول عن الالتزامات، يظهر لدينا فائض، وإذا حدث العكس، يصبح لدينا عجز.

تكمن أهمية هذا المؤشر في كونه يعكس القدرة الفعلية للبنوك على تمويل الواردات، وسداد التزاماتها الخارجية، وتلبية طلبات العملاء من العملة الصعبة، كما أن المستثمرين الأجانب والمؤسسات الدولية يتابعونه عن كثب لتقييم استقرار الاقتصاد.

رحلة عام من الضغوط

في بداية العام، كان صافي الأصول الأجنبية في البنوك المصرية يعاني من عجز تاريخي تجاوز 25 مليار دولار، وفق بيانات البنك المركزي، وهو مستوى غير مسبوق، ونتج هذا العجز عن عدة عوامل، أبرزها خروج الأموال الساخنة مع ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا وتراجع الجنيه، حيث غادرت مليارات الدولارات من استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية.

كما تراجعت موارد السياحة والطيران نسبيًا في بداية العام نتيجة تباطؤ حركة السفر العالمي.

تسببت هذه العوامل في تفاقم العجز، وأثرت على قدرة البنوك في تلبية الطلبات، مما انعكس على السوق في صورة شح للعملة الأجنبية وظهور سوق موازية بأسعار أعلى من الأسعار الرسمية.

التدخلات والإصلاحات

في مواجهة هذه التحديات، تحركت الدولة والبنك المركزي بمجموعة من السياسات والإجراءات، كان من أبرزها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل وإصلاح اقتصادي لتوفير سيولة دولارية، وتحسين كفاءة السوق، بالإضافة إلى تحرير سعر الصرف جزئيًا في عدة مراحل، مما ساعد على تقليص الفجوة بين السعر الرسمي والموازي.

كما تم جذب استثمارات خليجية مباشرة في قطاعات العقارات والبنوك والطاقة، مما وفر سيولة دولارية إضافية، لا سيما من خلال التوسع في تصدير الغاز الطبيعي وتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، مما عزز الإيرادات الدولارية.

تلك الإجراءات بدأت تعكس نتائجها تدريجيًا على المؤشر، حيث بدأ العجز في صافي الأصول الأجنبية يتراجع مع منتصف العام.

من العجز إلى بوادر التعافي

بحلول نهاية العام، ورغم استمرار بعض الضغوط، رصد البنك المركزي تحسنًا ملحوظًا في صافي الأصول الأجنبية، حيث تراجع العجز تدريجيًا مع دخول استثمارات وصفقات كبرى، بما في ذلك استحواذات خليجية على حصص في شركات مصرية.

كما ساعدت زيادة تحويلات المصريين في الخارج، وانتعاش السياحة بعد عودة حركة الطيران، في تخفيف الضغط.

وكشف البنك المركزي في أحدث تقرير له عن ارتفاع صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي إلى نحو 10.491 مليار دولار، بما يعادل 511.211 مليار جنيه، بنهاية يوليو الماضي، مقابل 10.1 مليار دولار، بما يعادل 499.628 مليار جنيه بنهاية يونيو 2025.

كما أعلن البنك المركزي في مايو 2024 عن تحول صافي الأصول الأجنبية للمركزي من العجز إلى الفائض لأول مرة منذ مارس 2022، حيث حقق فائضًا بقيمة ما يعادل 458.630 مليار جنيه بنهاية مايو 2024، مقابل عجز بلغ 36.070 مليار جنيه بنهاية أبريل.

وفي فبراير 2025، وصل صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي المصري إلى نحو 12.1 مليار دولار، مرتفعًا من نحو 12 مليار دولار في يناير من نفس العام، بما يعادل 603.1 مليار جنيه، وبزيادة نحو 400 مليون دولار عن ديسمبر 2024، الذي سجل فيه صافي الأصول الأجنبية للمركزي نحو 11.6 مليار دولار، وما يعادل 592.5 مليار جنيه.

كما حقق صافي الأصول الأجنبية للقطاع فائضًا للمرة الأولى بقيمة تعادل 676.4 مليار جنيه خلال شهر مايو الماضي، مقابل عجز يعادل 174.3 مليار جنيه بنهاية أبريل، وهو أول فائض للقطاع منذ يناير 2022.

وارتفع صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي المصري، بما في ذلك البنك المركزي، بنسبة 47.7% خلال مارس الماضي، ليصل إلى 15.04 مليار دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ يوليو 2021، والبالغة 15.8 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.

كما قفزت قيمة الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري بنحو 47.7%، حيث كانت سجلت في فبراير نحو 10 مليارات دولار، وارتفع صافي الأصول الأجنبية لمصر خلال فبراير الماضي بمقدار 1.48 مليار دولار ليصل إلى 10.2 مليار دولار، في زيادة للشهر الثالث على التوالي.

خلال العام الماضي، شهد القطاع المصرفي المصري تحولًا جذريًا في صافي الأصول الأجنبية، حيث انتقل من سالب 29.0 مليار دولار في يناير 2024 إلى موجب 8.7 مليارات دولار في يناير 2025، محققًا زيادة قدرها 37.8 مليار دولار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *