السيارات الكهربائية في مصر.. تقييم الجدوى بين الطموح والواقع

السيارات الكهربائية في مصر.. تقييم الجدوى بين الطموح والواقع

بينما تتسابق الدول المتقدمة نحو اعتماد السيارات الكهربائية كخيار أساسي للتنقل، لا تزال مصر في مراحلها الأولى في هذا المجال، حيث يبدو المشهد واعدًا بفضل الإمكانيات المتاحة، فالسوق المصري يتمتع بعدد سكان يتجاوز 120 مليون نسمة، مع احتياجات متزايدة لوسائل نقل اقتصادية وصديقة للبيئة، بالإضافة إلى الدعم الحكومي المعلن لمشروعات الطاقة النظيفة.

لكن بين الطموحات والواقع، تبقى “فاتورة التكاليف” هي السؤال الأبرز الذي يطرحه المستهلك المصري، هل السيارات الكهربائية أوفر من البنزين حقًا؟ أم أن الحديث عن التوفير هو مجرد وهم اقتصادي لم يحن وقته بعد؟

في هذا التقرير، نستعرض الجدوى الاقتصادية للسيارات الكهربائية في السوق المصري، مستندين إلى أرقام، مقارنات، وشهادات مستهلكين، لنفكك معًا هذه المعادلة المعقدة بين “الحلم البيئي” و”حسابات الجيب”.

سوق السيارات الكهربائية في مصر.. لمحة سريعة

قبل خمس سنوات، كان المصريون يسمعون عن السيارات الكهربائية فقط من خلال الأخبار أو مقاطع الفيديو على الإنترنت، لكن الأمور تغيرت تدريجيًا مع دخول بعض الموديلات الصينية مثل “BYD E6″، وطرح سيارات أوروبية وأمريكية مستعملة عبر الاستيراد الشخصي.

رغم أن عدد السيارات الكهربائية المرخصة لا يزال محدودًا “تقدره بعض التقارير بعدة آلاف فقط”، فإن الاهتمام يتزايد بفضل ارتفاع أسعار الوقود عالميًا ومحليًا، بجانب الوعي المتزايد حول القضايا البيئية.

كما أعلنت الحكومة المصرية عن خطط لتوطين صناعة السيارات الكهربائية، سواء عبر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أو مدينة السادات، بالتعاون مع مستثمرين صينيين وكوريين، ولكن الطريق ما زال طويلًا حتى يتحول الحلم إلى واقع ملموس.

تكلفة الشراء.. الفجوة السعرية بين البنزين والكهرباء

عند التفكير في شراء سيارة كهربائية، يصطدم المستهلك المصري بالسعر، فسيارات البنزين تتوفر بأسعار تبدأ من 500 ألف جنيه لفئات اقتصادية (2025)، بينما لا تقل أسعار السيارات الكهربائية الجديدة عن 800 ألف أو مليون جنيه في أغلب الأحيان.

حتى السيارات المستعملة المستوردة (مثل بعض موديلات “تسلا” أو “نيسان ليف”) تباع بأسعار مرتفعة مقارنة بنظيراتها البنزين، بسبب تكلفة الاستيراد وغياب الإنتاج المحلي، مما يجعل القرار صعبًا بالنسبة للطبقة المتوسطة التي تبحث عن وسيلة اقتصادية، فرغم أن التشغيل أوفر، يبقى “حاجز الشراء” هو العقبة الأساسية.

تكاليف التشغيل.. الكهرباء أرخص أم البنزين؟

تكلفة التشغيل هي المعادلة الأكثر جذبًا لملاك السيارات الكهربائية، فلتشغيل سيارة كهربائية بالكامل، قد يحتاج صاحبها لشحن البطارية بتكلفة تتراوح بين 60 و120 جنيهًا للشحنة الكاملة حسب سعة البطارية وسعر الكيلووات ساعة، بينما قد تستهلك السيارة البنزين المماثلة وقودًا بما قيمته 600 – 800 جنيه لقطع نفس المسافة (400 كم مثلًا)، وهنا تبدو الكفة واضحة، الكهرباء أرخص بكثير من البنزين.

لكن الصورة لا تكتمل إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار عناصر أخرى مثل وفرة محطات الشحن وسهولة الوصول إليها، والوقت المستغرق في الشحن (من 40 دقيقة إلى 8 ساعات)، بالإضافة إلى احتمال ارتفاع أسعار الكهرباء مستقبلًا مع إعادة هيكلة الدعم.

الصيانة والعُمر الافتراضي للبطاريات

تتميز السيارات الكهربائية بكون صيانتها أبسط من سيارات البنزين، حيث لا تحتوي على محرك معقد أو زيت يحتاج إلى تغيير دوري، لكن تبقى البطارية هي “بيت القصيد”، حيث يتراوح عمر البطارية بين 8 – 10 سنوات في المتوسط، وتكلفة استبدال البطارية قد تصل إلى 40% من سعر السيارة، مما يجعلها كابوسًا محتملاً للمستهلك.

حتى الآن، لا يوجد في مصر سوق قوي لإعادة تدوير البطاريات أو صيانتها محليًا، مما يزيد من تكلفة الإصلاح.

سوق إعادة البيع.. هل يخسر مالك السيارة الكهربائية؟

سوق إعادة بيع السيارات الكهربائية في مصر لا يزال ضعيفًا، حيث أن الوعي العام محدود، مما يقلل من حجم الطلب، وخوف المستهلك من “البطارية المستعملة” يضغط على الأسعار، فضلًا عن أن التجار يفضلون سيارات البنزين لسرعة دورانها في السوق، وبالتالي قد يخسر مالك السيارة الكهربائية نسبة أكبر عند إعادة بيعها مقارنة بالبنزين.

التحديات الاقتصادية أمام المستهلك المصري

توجد عدة عوائق اقتصادية تجعل القرار صعبًا، مثل سعر الشراء المرتفع، وقلة محطات الشحن (معظمها في القاهرة الكبرى والطرق السريعة)، وغياب الحوافز القوية مثلما هو الحال في أوروبا (إعفاءات ضريبية، دعم مباشر من الدولة)، بالإضافة إلى عدم ثقة المستهلك في الجديد، خاصة مع غياب تجارب واسعة حوله.

التجارب الواقعية: قصص ملاك السيارات الكهربائية

بعض الملاك يروون أن السيارة الكهربائية وفرت لهم الكثير من النفقات الشهرية، حيث انخفضت تكلفة التشغيل إلى عُشر ما كانوا يدفعونه في البنزين، بينما يشكو آخرون من صعوبة السفر لمسافات طويلة لعدم توافر محطات شحن كافية، بجانب القلق من تراجع قيمة السيارة عند إعادة البيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *