أزمة تجنيد الحريديم تضع وحدة الكيان الإسرائيلي على المحك في ذروة حرب غزة
شهدت شوارع القدس المحتلة في الأيام الأخيرة احتجاجات غير مسبوقة، حيث خرج مئات من اليهود المتشددين (الحريديم) في تظاهرات غاضبة، وأشعلوا النيران في حاويات النفايات، ورفعوا شعارات ترفض ما وصفوه بـ”التجنيد القسري”، مما يعكس تصاعد الأزمة المتعلقة بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية الإلزامية
ووفقاً لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، واجهت شرطة الاحتلال الإسرائيلي المتظاهرين بعنف، مستخدمة الخيول ومدافع المياه التي تطلق سائل “ماء الظربان” ذو الرائحة الكريهة، لتفريق المحتجين الذين استمروا في هتافاتهم الرافضة لما يعتبرونه انتهاكاً لحقوقهم الدينية والاجتماعية
وتفجرت التوترات بعد أن بدأت الشرطة الصهيونية في اعتقال عدد محدود من الشبان المتخلفين عن الخدمة، في خطوة اعتُبرت مؤشراً على بداية التعامل الجديد مع ملف التجنيد، الذي ظل عالقاً منذ تأسيس إسرائيل
وكانت احتجاجات واسعة قد اندلعت مؤخراً خارج أحد السجون، عقب اعتقال سبعة من الحريديم، مما زاد من حالة الغضب الشعبي داخل الطائفة
احتجاجات الحريديم ضد التجنيد
حكم قضائي يشعل المواجهة
اندلعت المواجهة فعلياً بعد قرار المحكمة العليا في يونيو 2024، الذي أنهى الإعفاءات التقليدية التي كان يتمتع بها الحريديم، مما وضع الحكومة في مواجهة أزمة سياسية حادة، خاصة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه ضغوطاً متزايدة في ظل استمرار الحرب على غزة منذ ما يقارب عامين، وحاجته الماسة إلى تعزيز قواته بنحو 12 ألف مجند جديد بشكل فوري
أزمة تهدد ائتلاف نتنياهو
التداعيات السياسية لم تتأخر، إذ بدأت الانقسامات تعصف بائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد انسحاب بعض الحلفاء المتشددين احتجاجاً على غياب قانون يكرس إعفاء الحريديم من الخدمة، مما يهدد استقرار الحكومة في وقت تواجه فيه إسرائيل تحديات أمنية متصاعدة على أكثر من جبهة
احتجاجات الحريديم ضد التجنيد
جيش الاحتلال في وضع حرج
يمر الجيش الإسرائيلي بمرحلة صعبة؛ فقد خسر أكثر من 450 جندياً في غزة، وارتفعت نسب الانتحار داخل صفوفه، وسط تراجع ملحوظ في استجابة جنود الاحتياط للاستدعاءات، بعد فترات خدمة مطولة تجاوزت 400 يوم، وفي محاولة لتدارك النقص، أعلن الجيش استدعاء 60 ألف جندي احتياطي إضافي، ومدد خدمة 20 ألفاً آخرين
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الحريديم في إسرائيل بلغ نحو مليون نسمة، أي حوالي 13% من عدد السكان، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم إلى 30% بحلول عام 2035، مما يجعل استمرار إعفائهم مسألة صعبة على المؤسسة العسكرية تحملها على المدى الطويل
أصوات من الداخل المتشدد
رغم الرفض العلني، بدأت بعض الأصوات المعتدلة داخل المجتمع الحريدي تطالب بإعادة النظر في موقفهم من الخدمة العسكرية، فوفق تقارير أكاديمية، فإن نحو 25% من شباب الحريديم قد ينضمون لجيش الاحتلال إذا خُففت الضغوط المجتمعية عنهم، وقد سبق أن التحق عدد قليل بالخدمة بشكل فردي، باعتبارها جزءاً من مسؤوليتهم الوطنية
ومن أبرز اللحظات التي أثرت في الرأي العام الإسرائيلي، كان الخطاب العاطفي الذي ألقاه أحد الحاخامات، الذي فقد ابنه الضابط خلال اشتباك على الحدود مع لبنان، حيث خاطب زعماء الطائفة قائلاً: “لماذا دماء أبنائكم أغلى من دماء أبنائنا؟”، وهي عبارة أحدثت ضجة وفتحت باب النقاش داخل الأوساط الدينية والسياسية
أزمة وجودية تتجاوز السياسة
ولم تعد قضية تجنيد الحريديم مجرد خلاف ديني أو اجتماعي، بل تحولت إلى أزمة تهدد وحدة المجتمع الإسرائيلي، وبينما تتسع رقعة الاحتجاجات وتتصاعد التحديات العسكرية، تبدو إسرائيل غارقة في صراع داخلي لا يقل خطورة عن صراعاتها الإقليمية، مع حكومة تتأرجح على خيط رفيع في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ الكيان منذ تأسيسه عام 1948