أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن القرآن الكريم يرسخ قاعدة مهمة في ميزان القيم وهي أن التفاضل عند الله يعتمد على العمل وليس على النسب، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» وبقوله تعالى: (فإذا نُفِخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ). وأوضح الجندي أن هذه الحقيقة تتضح في قصة سيدنا نوح عليه السلام مع ابنه، حيث ناداه ليركب معه السفينة لكن الابن اختار طريقه فغرق، وعندما قال نوح: (رب إن ابني من أهلي) جاء الرد الإلهي: (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)، مما يؤكد أن معيار القرب والبعد هو العمل فقط.
التعبير القرآني في قوله «إنه عمل غير صالح» بالغ الدقة والإعجاز
أضاف الجندي، خلال حلقة برنامج «لعلهم يفقهون» المذاع على قناة DMC، أن التعبير القرآني في قوله «إنه عمل غير صالح» يتميز بالدقة والإعجاز، حيث يتبع القرآن أسلوب العرب في المدح والذم، فلا يقال «ذو كرم» بل «كرم»، مما يجعل الموصوف هو الصفة ذاتها. وأشار إلى أن القرآن لم يذكر «صاحب عمل غير صالح» بل حذف ذلك ليجعل الابن كأنه العمل السيئ نفسه، مما يدل على التلبس التام بالفعل.
وأوضح أن هذا الأسلوب البلاغي يتكرر في قوله تعالى: (وجاءوا على قميصه بدم كذب)، حيث نُسب الكذب إلى الدم نفسه، مما يعكس أعلى درجات التعبير البلاغي. ولفت إلى أن وصف ابن نوح بهذا الشكل يدل على أنه لم يُظهر أي عمل صالح، ولو كان لديه عمل صالح واحد لكان له شأن آخر.
رسالة تربوية عميقة لكل الآباء
وشدد الشيخ خالد الجندي على أن القصة تحمل رسالة تربوية هامة لكل الآباء، وهي أن الإنسان مُحاسَب على بذل الأسباب وليس على النتائج. وأوضح أن سيدنا نوح، وهو نبي، بذل كل ما يستطيع ومع ذلك لم تُكتب الهداية لابنه، مما يؤكد أن انحراف الابن بعد استنفاد الأبوين للأسباب هو خارج عن إرادتهما. وأكد الجندي أن الأجر ثابت للأبوين على ما بذلوه، مشيرًا إلى أن الله سبحانه وتعالى يكرر هذا المعنى في خطابه للنبي ﷺ: (لست عليهم بمسيطر) و(إن عليك إلا البلاغ)، مما يوضح أن دور الإنسان هو البلاغ وبذل الجهد، أما النتائج فهي بيد الله وحده.

