أصبحت الطائرات المسيّرة (الدرونز) جزءاً لا يتجزأ من الحروب الحديثة، وبرزت بشكل لافت خلال الحرب الأوكرانية، حيث استخدمت أوكرانيا طائرات صغيرة من نوع “فيرست بيرسون فيو” لتنفيذ هجمات دقيقة على قواعد عسكرية روسية حساسة، أُطلقت من شاحنات مموهة على شكل حاويات، مما أضفى طابع المفاجأة والسرعة على هذه الهجمات، وجعل من الصعب التصدي لها أو اكتشافها قبل وقوع الأضرار.

مقال مقترح: مسلحون يهربون من شركة أمريكية أثناء توزيع المساعدات في رفح
من أوكرانيا إلى واشنطن: هل تنتقل الجبهة؟
وفي هذا السياق، يحذر المحلل العسكري الأمريكي براندون وايكيرت، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست، من أن الولايات المتحدة يجب أن تكون على حذر من احتمال تنفيذ أعدائها هجمات مشابهة داخل أراضيها، حيث يقول: “السؤال لم يعد إذا كان سيحدث، بل متى سيحدث”.
مقال مقترح: مظاهرات كبيرة في إسرائيل تطالب بإطلاق سراح الرهائن في اليوم الـ 600 للحرب
لقد أصبحت الولايات المتحدة عرضة للخطر بنفس الطريقة التي كانت روسيا تعاني منها، خاصة مع تكرار الثغرات الأمنية داخل المنشآت العسكرية، وضعف الإجراءات الوقائية في بعض المواقع الحساسة.
تسيطر الحرب الأوكرانية حالياً على عناوين الأخبار، ويرجع ذلك إلى الهجوم الفريد الذي نفذته أوكرانيا ضد قاعدتين جويتين روسيتين رئيسيتين، تقعان في عمق الأراضي الروسية، باستخدام طائرات مسيرة متطورة “فيرست بيرسون فيو”، أُطلقت من شاحنات مدنية مموهة كانت متوقفة خارج القاعدتين.
تعتمد العملية التي أطلقت عليها الحكومة الأوكرانية اسم “على عنصر المفاجأة”، وتم تنفيذها بواسطة مجموعة من الطائرات المسيّرة “فيرست بيرسون فيو”، التي تتميز بقدرتها على العمل دون أن يتم اكتشافها لفترات طويلة، قبل أن تهاجم أهداف العدو بشكل جماعي وسريع، مما يمنع الخصم من الرد أو التصدي.
ويشير وايكيرت إلى أن ما يجب أن يثير قلق كل خبير أمني في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، هو إمكانية تنفيذ أعداء أميركا هجمات مماثلة على قواعد عسكرية حساسة داخل الأراضي الأميركية، حيث أصبحت البلاد عرضة للخطر بنفس الطريقة التي كانت روسيا تعاني منها.
ضعف أمني وحدود مخترقة
كما أشار وايكيرت إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن تهاونت في ضبط الحدود خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى زيادة غير مسبوقة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين، حيث تكمن الخطورة هنا ليس فقط في عبور مهاجرين اقتصاديين، بل في احتمال تسلل عناصر تابعة لدول معادية، أو جماعات متطرفة، أو منظمات إجرامية، قد تستغل هذا الانفلات لتنفيذ هجمات داخل الأراضي الأمريكية.
ويعتبر وايكيرت أن عدم معرفة الحكومة الأميركية بمن دخل البلاد ولماذا، يشكل تهديداً غير مسبوق للأمن القومي.
قواعد حساسة.. بلا حماية كافية
ورغم أن القواعد العسكرية يُفترض أن تكون محصنة، إلا أن الواقع يكشف العكس، فقد تعرضت قاعدة “إدواردز الجوية” – إحدى أكثر المنشآت العسكرية حساسية، والتي تضم وحدة “سكانك ووركس” التابعة لشركة لوكهيد مارتن – لسلسلة من الخروقات، كان أبرزها تواجد “سياح صينيين” مزودين بكاميرات ومعدات متطورة في محيطها، والسؤال المقلق هنا: ماذا لو كانوا يحملون طائرات مسيرة بدلاً من الكاميرات؟
ورغم اعتراضهم، لم تُتخذ إجراءات قانونية حازمة بسبب تواجدهم خارج أراضي القاعدة، مما يكشف عن ثغرات قانونية وأمنية ينبغي معالجتها فوراً.
خطر قائم في الأفق
قد تكون قاعدة “لوك الجوية” في ولاية أريزونا، التي تحتضن طائرات “إف-35” المتطورة، هدفاً محتملاً إذا لم تُعزز تدابير الحماية حولها، حيث يرى وايكيرت أن مهاجماً مزوداً بطائرة مسيّرة صغيرة محملة بالمتفجرات يمكنه إحداث ضرر بالغ قبل أن يتم كشفه.
لقد كشف الهجوم الأوكراني ضد العمق الروسي عن ضعف الردع التقليدي، حيث كانت الطائرات الروسية مكشوفة على المدارج بسبب ممارسات تعود لعقود، فرضتها اتفاقيات الحد من التسلح.
مراجعة استراتيجية شاملة
يشدد التقرير على أن العالم دخل مرحلة جديدة من الصراع، حيث لم تعد الحدود الجغرافية، أو الإجراءات الأمنية التقليدية، قادرة على صد التهديدات، لذا يوصي وايكيرت بإجراء تعديلات جذرية في البنية الأمنية للمنشآت العسكرية الأميركية، وتطبيق إجراءات رقابية دائمة وشاملة لمنع هجمات مفاجئة قد تخلّ بتوازن الردع الأميركي.
لم تعد التهديدات تلوح في الأفق، بل تقترب بسرعة، وعلى الولايات المتحدة أن تتعامل مع هذا الواقع الجديد بعقلانية وسرعة، قبل أن تواجه “شبكة عنكبوت” خاصة بها، على أراضيها هذه المرة.