شهدت مصر في السنوات الأخيرة تحولات جذرية في سياسات إدارة الدين العام، حيث تسعى الحكومة جاهدة لتحقيق الاستدامة المالية وتفادي المخاطر المرتبطة بارتفاع أعباء خدمة الدين.

اقرأ كمان: استقرار سعر الدولار لليوم الثالث في منتصف تعاملات 8/6/2025
تظهر البيانات الرسمية انخفاضًا تدريجيًا في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بفضل تحسين الإيرادات الضريبية وتنفيذ برامج الإصلاح الهيكلي، إلا أن التحديات لا تزال قائمة في ظل بيئة اقتصادية إقليمية ودولية معقدة.
تطور إيجابي على الورق
في هذا السياق، أوضح الدكتور أحمد إمام، الخبير الاقتصادي، أن تراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر إلى 91% بنهاية يونيو 2024 يُعتبر تطورًا إيجابيًا على الورق، لكنه لا يعكس بالضرورة تحسنًا حقيقيًا في هيكل الدين أو قدرة الدولة على السداد، خاصة مع استمرار الاعتماد على أدوات الديون قصيرة الأجل، وارتفاع فاتورة الفوائد التي تستهلك الجزء الأكبر من إيرادات الموازنة.
خدمة الدين الخارجي
أكد في تصريح خاص لـ”نيوز رووم” أن إجمالي خدمة الدين الخارجي خلال عام 2025 يتجاوز 22 مليار دولار، وهو رقم ضخم يعكس حجم الضغوط الواقعة على المالية العامة، لا سيما مع تراجع موارد النقد الأجنبي من قناة السويس والسياحة، وارتفاع تكلفة الاقتراض الدولي بسبب أسعار الفائدة العالمية.
أضاف أن الحكومة تستهدف خفض الدين إلى 81% من الناتج بحلول يونيو 2026، وذلك من خلال تحسين الفائض الأولي وتوجيه عائدات برنامج الطروحات الحكومية لسداد الديون، لكنه حذر من أن استمرار الاعتماد على الديون قصيرة الأجل – التي تمثل 72% من إجمالي الدين المحلي – يزيد من مخاطر السيولة ويضعف قدرة الدولة على التخطيط المالي طويل الأجل.
اتساع الفوائد وضغط على الموازنة
بلغ الدين المحلي نحو 9.515 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2024، وارتفعت فوائده لتستحوذ على 84% من إيرادات الموازنة في أول 10 أشهر من عام 2024/2025، بينما بلغت تكلفة خدمة الدين المحلي 1.65 تريليون جنيه، بزيادة 32.5% عن العام السابق.
اقرأ كمان: جمعية مستثمري دمياط توفر عشرات الآلاف من فرص العمل بدعم طرح 1800 وحدة صناعية
ضغط السداد وتذبذب الأرصدة
سجل الدين الخارجي 155.2 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2024، وتجاوزت أعباء سداده خلال 2025 مبلغ 22.4 مليار دولار، وتخطط الحكومة لخفض ديون أجهزة الموازنة إلى 77-78 مليار دولار بحلول منتصف 2025، من خلال تنويع أدوات التمويل وتقليل القروض مرتفعة التكلفة.
شروط مشددة وتقدم محدود
تواصل مصر تنفيذ برنامج التسهيل الائتماني الممتد مع صندوق النقد بقيمة 8 مليارات دولار، حيث تم سداد 60% من الالتزامات، ومن المقرر صرف الشريحة الخامسة في يونيو 2025.
تتطلب الشروط تحسين كفاءة الجباية الضريبية، وتحرير سعر الصرف، وتسريع برنامج التخارج من الأصول الحكومية.
التحديات والمخاطر
حذر إمام من أن ضعف الإيرادات الضريبية – التي لم تتجاوز 14% من الناتج – يمثل عائقًا كبيرًا أمام خفض العجز، كما أن تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 40% يمثل تهديدًا حقيقيًا للتدفقات الدولارية.
اختتم إمام تصريحه قائلاً: “تحقيق استدامة مالية حقيقية يتطلب رؤية متكاملة لإدارة الدين والنمو معًا، فلا يمكن للاقتصاد أن ينهض في ظل استمرار الضغط على الموازنة العامة وخروج الكفاءات وضعف الإنتاجية، المسألة لم تعد فنية فقط، بل تتعلق بالحوكمة السياسية والاقتصادية بشكل عام”