صرح الدكتور حسين عبد البصير، مدير عام متحف آثار مكتبة الإسكندرية، بأنه بعد مشاهدته لحلقة “الدحيح” التي تناولت التاريخ المصري القديم، وجدها تفتقر إلى الدقة والموضوعية العلمية، وتحمل أخطاء جسيمة ومغالطات تاريخية لا يمكن تجاهلها.

مواضيع مشابهة: سلامة الغذاء تصدر 1876 إذن لتصدير حاصلات زراعية لـ 1135 شركة
تصريحات خاصة
وأضاف عبد البصير في تصريحات خاصة إلى نيوز رووم، أن تاريخ مصر القديم ليس مجرد ميراث وطني، بل هو جزء أساسي من الهوية الإنسانية والحضارية، لذا يجب التعامل معه بمسؤولية علمية عالية لا تعرف التساهل، وأشار إلى أن الأخطاء والمغالطات تتلخص في عدة نقاط، أولها.
خلط زمني وتشويش مفاهيمي
• تم تقديم شخصية إبشا على أنه من الهكسوس، في حين أنه ينتمي إلى عصر الدولة الوسطى، مما يعكس جهلًا بالتسلسل الزمني ويضلل المتلقي،
• كما تم دمج عصور متباعدة دون تفريق واضح (مثل الخلط بين الدولة الوسطى، والهكسوس، والكوشيين) مما يساهم في تشويش المشاهد، وتقديم سردية تعتمد على التعميم بدلاً من التحليل التاريخي الدقيق.
الشرق الأوسط
• استخدام مصطلح “الشرق الأوسط” في سياق التاريخ المصري القديم يعد أمرًا مرفوضًا علميًا، فليس لهذا المصطلح وجود في الأدبيات الأكاديمية الخاصة بالتاريخ القديم، والمصطلح الأدق هو “الشرق الأدنى القديم”.
ثانيًا: مغالطات في عرض الحقائق
• تم الادعاء بأن السودان يمتلك 220 هرمًا متفوقًا على مصر والمكسيك، وهي معلومة مغلوطة، حيث تحتوي مصر على 138 هرمًا موثقًا، بينها أكبر وأعقد الأهرامات في العالم من حيث التخطيط المعماري والهندسي، أما الأهرامات السودانية فهي صغيرة الحجم نسبيًا ولا تقارن بما أنتجته الحضارة المصرية،
• كما أغفلت الحلقة تمامًا السياق الحضاري والسياسي الحقيقي لدخول الأسرة الكوشية إلى مصر، والتي جاءت في زمن ضعف وانقسام داخلي، ولم تكن كقوة محتلة، بل كقوة متمصّرة دينيًا وثقافيًا سعت لتوحيد البلاد تحت راية الإله آمون.
ثالثًا: أخطاء لغوية وأثرية
• احتوت الحلقة على أخطاء فادحة في قراءة وكتابة الأسماء الهيروغليفية، كما تم استخدام صور لا تتطابق مع الأسماء المذكورة،
• وعُرضت بردية سرقة المقابر بشكل مشوَّه وخالٍ من السياق الحقيقي للنص، مما يفقد المتلقي الثقة في المعلومات المقدمة،
• إضافة إلى تشويه أسماء ملوك وشخصيات تاريخية مصرية في النطق والكتابة، وهو أمر غير مقبول في برنامج يفترض أن يثقف العامة.
من نفس التصنيف: تداول 2000 طن من البضائع و244 شاحنة في موانئ البحر الأحمر
رابعًا: تبسيط مخل لأحداث كبرى
• وصف الآشوريين بأنهم “اغتصبوا مصر” يعكس تبسيطًا مخلًا للصراعات الجيوسياسية في ذلك العصر،
• وتم تجاهل أن الأسرة 26، بقيادة بسماتيك الأول، جاءت بعد انسحاب الكوشيين، وأسست لحقبة استقرار وازدهار سياسي وثقافي،
• كما تم تشويه النهاية البطولية لحكم بسماتيك الثالث، الذي واجه الفرس ببسالة، وقتل بعد مقاومة مشهودة، ولم يكن خائنًا ولم يُسلم الحكم كما أُوحي للمشاهد،
• ولم يتخل المصريون تحت الحكم الفارسي عن لغتهم، بل استمروا في استخدام اللغة المصرية في حياتهم اليومية والدينية.
ما تم عرضه ليس مجرد أخطاء عابرة، بل هو تشويه ممنهج لتاريخ أمة، يحمل في طياته مخاطر معرفية وتربوية جسيمة، فإن استمرار تداول هذه الحلقة دون مراجعة أو سحب يُعد إساءة للهوية المصرية وتراث الإنسانية جمعاء.
واختتم عبد البصير كلماته بدعوة الجهة المنتجة إلى التحقيق الفوري في هذه الأخطاء، وسحب الحلقة من التداول، وإصدار تصحيح رسمي، والاستعانة بخبراء حقيقيين في علم المصريات والآثار لضمان الجودة العلمية والموضوعية، فهذه الدعوة ليست فقط دفاعًا عن الماضي، بل هي دفاع عن الحقيقة في زمن أصبحت فيه الأكاذيب سهلة الانتشار.