تتقلص الدائرة المقربة من المرشد الإيراني علي الخامنئي، البالغ من العمر 86 عامًا، بشكل متسارع، مما يجعله أكثر عزلة من أي وقت مضى، بينما يبرز اسم نجله مجتبى كخليفة محتمل، رغم أنه لا يُعد من كبار رجال الدين من حيث المرتبة الدينية، وقد تسببت الضربات الجوية الإسرائيلية، التي أسفرت عن مقتل عدد من كبار مستشاريه العسكريين والأمنيين، في زعزعة تركيبة دائرته الضيقة، وهو ما اعتبره خمسة مصادر مطلعة على آليات اتخاذ القرار داخل النظام الإيراني سببًا في تصاعد خطر الوقوع في أخطاء استراتيجية.

مواضيع مشابهة: زيلينسكي يوجه اتهامات لواشنطن بإرسال 20 ألف صاروخ لأوكرانيا إلى الشرق الأوسط
الوضع الحالي ينطوي على خطر بالغ
ووصف أحد هؤلاء المطلعين، الذي يشارك بانتظام في اجتماعات مع خامنئي، الوضع الحالي بأنه ينطوي على “خطر بالغ” من سوء التقدير في قضايا الدفاع والأمن الداخلي، ومن بين القتلى البارزين منذ الجمعة الماضية، القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي، وقائد القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زادة، الذي كان يشرف على برنامج الصواريخ الباليستية، ورئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري محمد كاظمي.
وبحسب المصادر، التي تضم ثلاثة ممن حضروا أو يحضرون اجتماعات مغلقة مع خامنئي، إضافة إلى اثنين على صلة مباشرة بمسؤولين مقربين منه، فإن هؤلاء القادة كانوا جزءًا لا يتجزأ من دائرته الاستشارية، التي تشمل عادة ما بين 15 إلى 20 شخصية من كبار قادة الحرس الثوري ورجال الدين والسياسيين، وأجمعت المصادر على أن دائرة مستشاري خامنئي الواسعة لا تجتمع بشكل منتظم، بل تُستدعى عند الحاجة، حيث يتواصل مكتبه مع الأعضاء المعنيين لعقد اجتماع في مجمعه بطهران عند مناقشة قرارات مصيرية، وأكدوا أن جميع الأعضاء يتميزون بولائهم العميق له ولالتزامهم بمبادئ الجمهورية الإسلامية، وتأتي كالتالي:-
مقال له علاقة: انقطاع البث المباشر للمتحدث باسم جيش الاحتلال نتيجة الهجوم الإيراني
عنيد وحذر
خامنئي، الذي سُجن قبل ثورة 1979 وأُصيب في تفجير قبل توليه منصب المرشد الأعلى عام 1989، يتمسك بقوة باستمرارية نظام الحكم الإسلامي في إيران، ويُعرف بعدم ثقته الكبيرة في الغرب، وبصفته المرشد الأعلى، يتمتع بصلاحيات واسعة تشمل القيادة العليا للقوات المسلحة، وإعلان الحرب، وتعيين أو عزل كبار المسؤولين مثل القادة العسكريين والقضاة.
وبحسب أحد المشاركين في اجتماعاته، فإن خامنئي هو صاحب القرار النهائي في القضايا المصيرية، لكنه يُقدّر آراء مستشاريه ويُنصت باهتمام لوجهات النظر المختلفة، وغالبًا ما يطلب مزيدًا من المعلومات قبل الحسم، وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “خامنئي يتميز بكونه عنيدًا جدًا، لكنه أيضًا حذر للغاية… وهذا ما أبقاه في السلطة طوال هذه السنوات”، وأضاف: “إنه يُجيد حساب التكاليف مقابل المكاسب، ويضع نصب عينيه هدفًا واحدًا فوق كل شيء: بقاء النظام”.
نجل خامنئي
تعرضت أولوية خامنئي في الحفاظ على النظام لاختبارات متكررة، حيث أصدر أوامر بنشر قوات الحرس الثوري والباسيج لقمع موجات احتجاج واسعة شهدتها البلاد في أعوام 1999 و2009 و2022، وفي كل مرة، تمكنت الأجهزة الأمنية من احتواء التظاهرات واستعادة السيطرة، إلا أن الضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الغربية المستمرة خلّفت معاناة معيشية كبيرة، ويرى محللون أن هذا الوضع قد يُمهّد لاضطرابات داخلية أعمق في المستقبل.
مستوى غير مسبوق من التحديات
وبحسب مصادر مطلعة ومحللين، يواجه المرشد الإيراني علي خامنئي مستوى غير مسبوق من التحديات في ظل التصعيد العسكري مع إسرائيل، الذي أسفر عن استهداف شخصيات بارزة ومواقع نووية وعسكرية، مما دفع طهران للرد بإطلاق صواريخ، وأكدت المصادر الخمسة القريبة من دائرة صنع القرار أن العديد من المستشارين البارزين الذين لم تطلهم الهجمات الإسرائيلية لا يزالون يحتفظون بنفوذ قوي، لا سيما في الملفات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
ووفقًا لمصدرين، يُكلّف خامنئي مستشاريه بالتعامل مع الملفات فور ظهورها، ما يوسع نطاق تدخله المباشر داخل مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجهات التي تخضع رسميًا لرئاسة الجمهورية، وبذلك، يلعب مكتب خامنئي دورًا محوريًا ليس فقط في اتخاذ القرارات الكبرى، بل أيضًا في تفاصيل تنفيذ السياسات والمبادرات، وتُشير المصادر إلى أن مجتبى خامنئي، نجل المرشد، بات خلال العقدين الأخيرين شخصية محورية في منظومة الحكم، حيث نسج شبكة علاقات وثيقة مع الحرس الثوري، مما عزز مكانته داخل أجهزة الدولة، وسط تكهنات بدوره كخليفة محتمل لوالده.
ثقة المرشد
وفي السياق نفسه، يبرز دور نائب شؤون الأمن السياسي في مكتب المرشد، علي أصغر حجازي، الذي يوصف بأنه من أقوى رجال الاستخبارات في البلاد، كما يحتفظ كل من محمد كلبايكاني (رئيس مكتب خامنئي)، وعلي أكبر ولايتي، وكمال خرازي، وعلي لاريجاني، بثقة المرشد في القضايا الدبلوماسية والسياسات الداخلية، وعلى رأسها الملف النووي، ورغم ذلك، فإن مقتل قيادات بارزة في الحرس الثوري يمثل ضربة مؤلمة لبنية المؤسسة العسكرية التي اعتمد عليها خامنئي طيلة عقود في إدارة الأمن الداخلي وتوجيه السياسة الإقليمية الإيرانية.