في ظلال الظلام، بعيدًا عن ضجيج المعارك التقليدية، أطلق الموساد الإسرائيلي حربًا صامتة تستهدف العقول العربية والعلماء البارزين في مجالات حساسة تهدد التفوق الاستراتيجي لإسرائيل، عبر عقود طويلة، نفذت إسرائيل عمليات اغتيال ممنهجة لعشرات من العلماء، المهندسين، والفيزيائيين العرب، والهدف من ذلك هو إيقاف أي نهضة علمية قد تعزز قدرات الدول العربية وتزيد من تأثيرها في مجالات حيوية مثل الطاقة النووية، تكنولوجيا الصواريخ، والأبحاث العسكرية.

شوف كمان: البابا تواضروس الثاني يشارك في الاحتفال باليوبيل الذهبي لكنيسة السيدة العذراء بأرض الجولف
موساد: يد خفية وراء الاغتيالات
“لكل عظيم ميتة تليق به”، كما قال الكاتب الروسي مكسيم جوركي، وقد يكون هذا الوصف أدق ما يمكن أن يُطلق على العلماء الذين اغتالتهم إسرائيل بطريقة درامية ومؤلمة، ففي تاريخ طويل من عمليات الاغتيال الممنهجة، لم تكن الأسلحة التقليدية هي الوسيلة الوحيدة، بل تم اغتيال العقول بالسموم، الطرود المفخخة، وعمليات السيارات المفخخة.
اغتيال العلماء: من العراق إلى أوروبا
الدكتور يحيى المشد – عالم نووي مصري، كان أحد أبرز ضحايا هذه الحرب الخفية، ففي يونيو 1980، وُجد مقتولًا في فندق بباريس حيث تهشمت جمجمته بالكامل، ورغم عدم تحديد التحقيقات الفرنسية للجاني، إلا أن أصابع الاتهام تشير إلى الموساد.
الدكتورة سميرة موسى – أول عالمة ذرة مصرية، اغتيلت في حادث سيارة مفبرك في الولايات المتحدة عام 1952، بعد إعلانها نيتها العودة إلى مصر والمساهمة في برنامج نووي سلمي.
الدكتور علي مصطفى مشرفة – عالم فيزياء مصري، اغتيل في يناير 1950، وعُزِيَت وفاته إلى “أزمة قلبية”، رغم تزايد الشكوك حول تعرضه للتسمم في إطار مؤامرة إسرائيلية.
جمال حمدان – المفكر المصري في مجال الجغرافيا، اغتيل في أبريل 1993، وقد أثار رئيس المخابرات الأسبق أمين هويدي قلقًا حين أشار إلى تورط الموساد في الحادث.
الدكتور نبيل القليني – عالم ذرة مصري اختفى في 1975، ولا يزال مصيره مجهولًا حتى اليوم.
اغتيالات علماء الخليج: سامية ميمني نموذجًا
قد تكون الاغتيالات التي طالت علماء الخليج أقل شهرة، لكن تعتبر عالمة الأعصاب السعودية سامية عبد الرحيم ميمني أحد أبرز الأمثلة، ففي 20 أكتوبر 1997، تم العثور عليها مقتولة في شقتها، وحُكم على حارس عمارتها بالسجن المؤبد، بينما اختفت جميع اختراعاتها العلمية التي كانت قد حصلت على براءات اختراع أمريكية.
الموساد يترصد العلماء الأوروبيين
لم تقتصر عمليات إسرائيل على العلماء العرب فقط، بل امتدت إلى علماء أجانب تعاونوا مع برامج علمية عربية، أبرزها عملية داموقليس، التي استهدفت العلماء الألمان الذين عملوا على تطوير الصواريخ لمصر في الستينيات، وكان الهدف من هذه العملية هو منع مصر من الحصول على تكنولوجيا صواريخ محلية بدلاً من الاعتماد على الغرب أو الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي كان يشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل.
عمليات اغتيال جديدة: علماء إيران في مرمى الموساد
مع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، عادت عمليات الاغتيال لتتكرر في العقد الأخير، حيث كان أبرز هذه العمليات اغتيال محسن فخري زاده في 27 نوفمبر 2020، حيث يُعدّ زاده أحد الشخصيات الرئيسية وراء البرنامج النووي الإيراني، ورغم سعي إيران لتحسين قدراتها النووية، استمرت إسرائيل في تنفيذ عمليات اغتيال استهدفت مجموعة من العلماء الإيرانيين منذ عام 2010.
مقال له علاقة: مصادر تكشف عن نقل مومياء توت عنخ آمون للمتحف الكبير تنفيذاً لقرار قديم مؤجل
اغتيالات علماء الذرة الإيرانيين: سلسلة من الهجمات الدقيقة
مسعود محمدي (2010): اغتيال عالم الفيزياء النووية في طهران باستخدام دراجة نارية مفخخة
مجيد شهرياري (2010): اغتيال بواسطة قنبلة مغناطيسية
مصطفى أحمدي روشن (2012): اغتيال باستخدام قنبلة مغناطيسية أيضًا
محسن فخري زاده (2020): اغتيال بواسطة سلاح إلكتروني متطور
وفي يونيو 2025، أفادت القناة الإسرائيلية 12 عن اغتيال 17 عالِمًا نوويًا في عمليات متزامنة استهدفت العلماء الإيرانيين داخل طهران.
الظلال المستمرة: صمت التحقيقات العربية
على الرغم من خطورة هذه الاغتيالات، إلا أن معظم الحكومات العربية لم تُجرِ أي تحقيقات مستقلة للكشف عن تفاصيل هذه العمليات، وظلت الملفات مغلقة، والضحايا بلا عدالة، وفي المقابل، تواصل إسرائيل عملياتها الصامتة عبر الموساد ضد العقول العربية والإيرانية التي تهدد تفوقها في المنطقة.
خاتمة: حرب العلم المجهولة
بينما تُسجل هذه الاغتيالات في سجلات التاريخ كحروب صامتة، فإن عملية إغلاق الملفات الرسمية واستمرار سياسة الموساد في تنفيذ هذه العمليات يُعدّ انعكاسًا لسعي إسرائيل المستمر للحفاظ على هيمنتها الاستراتيجية، في الوقت الذي يظل فيه الشرق الأوسط عُرضة لتهديدات هذا النوع من الهجمات، يظل العلماء الشجعان ضحايا هذه الحرب الخفية، في ظل صمت عربي غير مفسر.