في أحد أزقة السوق السياحي بمحافظة الأقصر، حيث تتداخل رائحة التاريخ مع عبق الحضارة، يجلس رجل ذو ملامح صعيدية أصيلة، يرتدي جلبابًا تقليديًا ويستقبل المارة بابتسامة هادئة ووجه طيب، إنه الحاج صلاح الدين أبو الحجاج، المعروف بين أبناء الأقصر بلقب “عمدة السوق”، رجل تجاوز السبعين من عمره، لكنه ما زال يحتفظ بروح شابة وعقل منفتح، يتحدث ست لغات بطلاقة رغم أنه لم يكمل تعليمه سوى حتى الصف السادس الابتدائي.

مواضيع مشابهة: ضبط 2761 مخالفة تموينية ومصادرة 45 طنًا من السلع المدعمة خلال شهر واحد
من الصف السادس إلى العالمية
يقول الحاج صلاح في حديثه لـ”نيوز رووم”: “بدأت العمل في السوق وأنا في السادسة عشرة من عمري، خرجت من المدرسة بعد الشهادة الابتدائية، وبدأت أتعلم أصول التعامل مع السائحين من خلال الاحتكاك المباشر بهم، فتعلمت لغاتهم بطريقتي الخاصة، عبر الممارسة والملاحظة، وليس من الكتب أو المدارس”
ويتابع: “طوال تلك السنوات، تعرفت على أشخاص من مختلف الجنسيات، وأقمت علاقات طيبة معهم، حتى أن البعض كان يزورني في منزلي، ويتناول الطعام مع عائلتي، العلاقة كانت دائمًا إنسانية قبل أن تكون تجارية”
سفير غير رسمي لمصر في الأقصر
بابتسامة فخر، يروي الحاج صلاح كيف قابل خلال سنوات عمله العديد من الشخصيات العامة والملوك والرؤساء من أنحاء مختلفة من العالم، على رأسهم ملكة الدنمارك وملك السويد، ويقول: “نحن في السوق السياحي لا نمثل أنفسنا فقط، بل نمثل مصر كلها، طريقتنا في الكلام، أسلوبنا في البيع، حتى ابتسامتنا تترك أثرًا في السائح، أنا أعتبر نفسي سفيرًا لمصر في هذا السوق، وأحاول دائمًا أن أقدم الصورة الأفضل عن بلدي”
ممكن يعجبك: نوال الدجوي تودع والدها بكلمات مؤثرة: «كان سندي وصديقي»
أزمة السوق ومبادرة التعليم
ورغم اعتزازه الكبير بتاريخه، لا يُخفي الحاج صلاح حزنه على الحال الذي وصل إليه السوق السياحي، قائلاً: “للأسف، بعض التصرفات السيئة من قِبل عدد من البائعين تسيء للسياحة، كأن يُعامل السائح كسلعة، أو يتم الضغط عليه بطريقة غير لائقة، هذه الأشياء تضرنا جميعًا”
ولذلك، يؤكد “عمدة السوق” أن من أكثر أحلامه إلحاحًا هو إنشاء “مدرسة لفن التعامل مع السائح”، لتعليم الأجيال الجديدة كيف يتحدثون، وكيف يحترمون خصوصيات الزوار، وكيف يجعلونهم يعودون إلى مصر مرة أخرى.
ويضيف: “السائح يحب أن يُعامل باحترام وذوق، وليس فقط أن يُشترى منه، أنا أفتخر أن لدي صداقات مع سائحين من ألمانيا وفرنسا واليابان، يعودون إليّ في كل زيارة، ويتذكرونني بعد سنوات، وهذا هو النجاح الحقيقي”
رسالة إلى الشباب
يختم الحاج صلاح رسالته للشباب العاملين في مجال السياحة، قائلاً: “التعامل الحسن هو أقوى دعاية ممكن تقدمها لمصر، عامل السائح كصديق، لا كزبون، كن أنت الواجهة الحضارية التي يراها عن بلدك، فهو حين يعود إلى بلاده سيتحدث عنك، عن السوق، عن الأقصر، وعن مصر كلها”