لم تعد خارطة الكرة المصرية تقتصر على الأقطاب التقليدية، الأهلي والزمالك، اللذين هيمنتا لعقود طويلة على المشهد الكروي، خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت الساحة الكروية المصرية صعودًا لافتًا ومقلقًا في آن واحد لأندية تعرف بـ”أندية الشركات”، تلك الكيانات الرياضية المدعومة بملكية مؤسسية تتيح لها موارد مالية واستقرارًا إداريًا لم يكن متاحًا في السابق.

مقال له علاقة: إسهامات إستيفاو نجم بالميراس قبل مواجهة الأهلي في كأس العالم للأندية
هذا الصعود لا يمثل مجرد إضافة عددية للدوري الممتاز، بل يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل “كبار اللعبة” التقليديين ومدى قدرة هذه الأندية على إعادة تشكيل موازين القوى.
مقال له علاقة: “الزمالك يُطمئن جماهيره بخطة واضحة للصفقات ومفاجأة جون إدوارد”
القوة الدافعة: ميزانيات ضخمة وهيكل إداري احترافي
تتمثل نقطة القوة الأبرز لأندية الشركات مثل زد إف سي (الذي تحول من نادي إف سي مصر)، ومودرن فيوتشر (الذي كان كوكا كولا سابقًا)، والداخلية، في ميزانياتها الضخمة المدعومة من كيانات اقتصادية كبرى، هذه الميزانيات تمنحها مرونة مالية هائلة في سوق الانتقالات، تمكنها من استقطاب لاعبين مميزين، سواء من المواهب الشابة الصاعدة أو من أصحاب الخبرات الكبيرة الذين ربما لم يجدوا مكانًا لهم في أندية القمة، على سبيل المثال، نجح زد في استقطاب صفقات قوية ومواهب واعدة، بينما تمكن مودرن فيوتشر من ضم لاعبين أصحاب خبرات كبيرة ساعدوه على تحقيق نتائج لافتة محليًا وقاريًا في فترة وجيزة.
إلى جانب الدعم المالي، تتميز هذه الأندية بهيكل إداري احترافي ومنظم، فغالبًا ما تُدار هذه الأندية بعقلية مؤسسية بعيدة عن التقلبات الإدارية التي تعاني منها الأندية الجماهيرية ذات الانتخابات التنافسية، مجلس الإدارة يتكون من كوادر متخصصة في الإدارة والاقتصاد، مما يضمن اتخاذ قرارات مستنيرة تتعلق بالاستثمار في البنية التحتية، الأكاديميات، وحتى التعاقد مع أجهزة فنية ذات كفاءة عالية، بعيدًا عن ضغوط الجماهير والإعلام اليومية التي قد تؤثر على الاستقرار، هذا الاستقرار الإداري ينعكس مباشرة على استقرار الفريق فنياً، ويسمح بوضع خطط طويلة الأجل للتطوير.
الاستقرار المؤسسي.. سر التفوق الخفي.
لعل أبرز ما يميز الملكية المؤسسية هو الاستقرار، فبينما تعاني الأندية الجماهيرية من أزمات مالية متكررة، وتغييرات إدارية متلاحقة قد تؤثر على أداء الفرق، توفر شركات الأم مظلة مالية وإدارية مستقرة لأنديتها، هذا الاستقرار يسمح للأندية بجدولة مستحقات اللاعبين والأجهزة الفنية بانتظام، ويقلل من حالات التمرد أو الإضراب، ويخلق بيئة عمل صحية تشجع على الأداء المميز.
فمثلًا، مودرن فيوتشر، ومنذ صعوده للممتاز، أظهر قدرة على المنافسة ليس فقط محليًا بل في البطولات الأفريقية (مثل الكونفدرالية)، وهو ما لم يكن ليتحقق بدون استقرار مالي وإداري، نادي الداخلية، رغم إمكانياته المحدودة مقارنة بزد وفيوتشر، إلا أن دعمه من وزارة الداخلية يمنحه نوعًا من الاستقرار يجعله منافسًا عنيدًا في الدوري المصري، وإن كان هدفه عادة هو البقاء في الممتاز.
تجارب عربية مشابهة: هل يكرر التاريخ نفسه؟
لا تُعد ظاهرة أندية الشركات جديدة على الساحة العربية، ففي السعودية، شهدنا صعود أندية مثل الفتح الذي حقق لقب الدوري السعودي في 2013، في مفاجأة مدوية، وذلك بفضل استقراره المالي والإداري والدعم المؤسسي الذي حظي به، وكذلك نادي الباطن، الذي وإن لم يحقق ألقابًا كبرى، إلا أنه ظل ينافس ويقدم أداءً جيدًا في دوري المحترفين لفترات بفضل نفس المنهج، هذه الأندية، رغم أنها ليست “جماهيرية” بنفس حجم الهلال والنصر والاتحاد، إلا أنها أثبتت قدرتها على المنافسة وخلق بيئة احترافية، وهو ما يشبه إلى حد كبير ما يحدث في مصر الآن.
في الختام، يمثل صعود أندية الشركات في الكرة المصرية تحولًا نوعيًا يعكس توجهات الاستثمار الرياضي الحديث، فبينما قد يشعر البعض بقلق من تراجع دور الأندية الجماهيرية في ظل هذه المنافسة الاقتصادية، يرى آخرون أن هذا التطور قد يدفع الكرة المصرية نحو مزيد من الاحترافية والاستقرار، ويرفع من مستوى المنافسة بشكل عام، مما يعود بالنفع على المنتخب الوطني في نهاية المطاف، يبقى السؤال: هل تستطيع هذه الأندية الصاعدة أن تواصل تهديدها لـ “كبار اللعبة” وتغيير خريطة الألقاب في مصر بشكل جذري؟ الأيام القادمة وحدها من ستجيب