تتجلى قصة القاذفة الشبحية الأمريكية المتطورة “بي-2” في أحداث مثيرة، حيث ارتبطت بمهمة قصف منشأة “فوردو” النووية الإيرانية خلال عملية “مطرقة منتصف الليل”، وتدور أحداثها حول مهندس هندي الأصل يُدعى نوشير غواديا، الذي كان له دور بارز في تطوير تقنيات التخفي الخاصة بالطائرة.

شوف كمان: زيلنسكي يناقش مع وزير الخارجية التركي الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الأوكرانية
انتهت مسيرته المهنية في “نورثروب”
وُلد غواديا في مومباي عام 1944، وهاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1963، حيث درس هندسة الطيران وحصل على الجنسية الأمريكية عام 1969، من عام 1978 حتى 1986، عمل لدى شركة “نورثروب غرومان”، وهي ثاني أكبر متعاقد دفاعي في الولايات المتحدة، وشارك في تصميم المحرك النفاث لطائرة “بي-2″، حيث كان له دور محوري في تطوير فوهات تقلل من حرارة العادم وتجعلها غير قابلة للرصد من أجهزة الاستشعار الحراري، وقد أطلق على نفسه لقب “أبو تكنولوجيا التخفي” بسبب أهمية إنجازاته.
توقف غواديا عن العمل في “نورثروب” عام 1986 بسبب مرض نادر في الدم، وتبعت ذلك تغييرات هيكلية داخل الشركة، ليعمل كمقاول مستقل، لكن في عام 1997، أُلغي تصريحه الأمني نتيجة خلاف مع إحدى الوكالات الأمريكية لتطوير الأسلحة، وفي عام 1999، أسس شركته الخاصة “غواديا للاستشارات” واشترى فيلا فاخرة مطلة على المحيط في هاواي بقيمة 3.5 مليون دولار، إلا أن دخله بدأ في التراجع مما دفعه للبحث عن مصادر تمويل “غير تقليدية”.
مواضيع مشابهة: الولايات المتحدة تغلق سفارتها في القدس حتى الجمعة وما هي التطورات؟
بين عامي 2003 و2005، قام غواديا بعدة زيارات سرية إلى الصين مستخدمًا أسماء مستعارة، حيث عرض خبرته في تكنولوجيا التخفي، وساعد المؤسسات الصينية في تطوير فوهات صواريخ يصعب رصدها، وقدم تحليلات مفصلة لنتائج الاختبارات، كاشفًا عن نقاط الضعف لتحسين قدرة الصواريخ الصينية على تفادي الرصد الأمريكي، وتلقى مقابل ذلك ما لا يقل عن 110,000 دولار.
لم تتوقف أنشطته عند الصين، بل باع أيضًا معلومات حساسة إلى ألمانيا وسويسرا وإسرائيل، حيث شملت تفاصيل عن مروحية “يوروكوبتر تي إتش-98″، لكن نشاطه لم يستمر طويلًا؛ ففي أكتوبر 2005، داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزله وصادر 226 كيلوغرامًا من الأدلة الرقمية والورقية، بما في ذلك رسائل إلكترونية ومخططات تقنية وتحويلات مالية كبيرة.
انتهاك قوانين تصدير الأسلحة
وُجهت إليه 17 تهمة، منها غسيل أموال وانتهاك قوانين تصدير الأسلحة، وفي أغسطس 2010، أُدين بـ14 تهمة، وأقرّ لاحقًا في اعتراف مكتوب: “ما فعلته هو تجسس وخيانة”، ورغم محاولته التراجع بالقول إنه لم يبع أسرارًا بل معلومات متاحة للجميع، إلا أنه في 24 يناير 2011، صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 32 عامًا، ومن المتوقع أن يُطلق سراحه عام 2032 إذا ظل على قيد الحياة.
جاء الكشف عن خيانته متزامنًا مع ظهور طائرة مسيّرة صينية تشبه “بي-2” بطول جناحين مماثل يبلغ 52 مترًا، مما عزز الشكوك حول تأثير تسريباته في برنامج الطائرات الشبحية الصيني، خاصة “إتش-20” و”جيه-36″، ويرى الخبراء أن التسريبات أضرت بالتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، وأن الصين استفادت من “زبدة” الأسرار الأمريكية مقابل مبلغ ضئيل، بينما لم يكن غواديا يشعر بأنه نال التقدير المستحق من بلده الجديد.
أما الجانب الصيني، فقد يكون الآن مبتسمًا في الظل، في حين يستمر البعض في محاولة إقناع العالم بأن قوة الصين ليست سوى “صدى” للتكنولوجيا الأمريكية المسروقة.