في العديد من المناطق الجزائرية، لا تزال المرأة تعاني من عقوبات جماعية بسبب وثيقة تعود لعام 1749، والتي حرمتها من حقها في الميراث، وخاصة فيما يتعلق بالأراضي، ورغم مرور أكثر من قرنين ونصف على توقيعها، فإن هذه الوثيقة لا تزال تؤثر سلبًا على واقع نساء المناطق التي تخضع للمنظومة القبلية.

مقال مقترح: الاتحاد الأوروبي يتخذ خطوات قانونية لرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا
لا حق في الأرض.. ولا في الزواج من “الغرباء”
في بعض المناطق الريفية الجبلية في الجزائر، وخاصة ضمن النظام القبلي السائد، تُحرم النساء من الميراث بشكل كامل أو جزئي، فتمنع بعض العائلات المرأة تمامًا من الحصول على نصيبها الشرعي، بينما تكتفي عائلات أخرى بحرمانها من الميراث العقاري، وتقدم بدلاً عنه تعويضًا ماليًا رمزيًا.
لكن الأمر لا يقتصر على المال أو الأرض، بل يمتد إلى منع الزواج من رجال من خارج القبيلة أو المنطقة، في تقليد صار يُورث من جيل إلى آخر، دون سند قانوني واضح، لكنه مدعوم بثقافة جماعية متجذرة.
اقرأ كمان: محكمة الاستئناف تعلن عن تعليق تنفيذ حكم إيقاف الرسوم الجمركية على ترامب
الوثيقة “كوكو” التي غيّرت مصير نساء منطقة جرجرة
كشف الباحث والمؤرخ عبد الحق شيخي عن تفاصيل مثيرة حول الخلفية التاريخية لهذه الوثيقة، التي وُلدت في جبال جرجرة شمال الجزائر، وتحديدًا خلال اجتماع عُقد عام 1749 في قرية “لجمعة نسهاريج” بولاية تيزي وزو.
وفق روايته، فإن بحارة جزائريين خدموا في الأسطول العثماني وقعوا في الأسر بالأندلس لأكثر من عشرين عامًا، وعندما عادوا إلى ديارهم، وجدوا أن نساءهم قد تزوجن من رجال “غرباء عن المنطقة”، ما أشعل نزاعًا قبليًا دمويًا انتهى بإصدار وثيقة حملت اسم “وثيقة كوكو”، نسبة إلى مملكة كوكو الأمازيغية.
نصّت الوثيقة صراحة على حرمان النساء من ملكية الأرض، لتجنب انتقالها إلى أزواج أجانب، ما اعتُبر حينها إجراءً وقائيًا للحفاظ على “ملك القبيلة”، وعلى الرغم من أن الوثيقة اقتصرت على الأراضي، فإن تطبيقها تطور لاحقًا ليصل إلى الحرمان من كامل التركة، في تعسف تجاوز حتى ما جاء في الاتفاق الأصلي.
منطقة محدودة.. وتطبيق واسع
أشار شيخي إلى أن هذه الظاهرة لم تقتصر على ولايات تيزي وزو والبويرة وبجاية، بل تسللت إلى مناطق أخرى من الجزائر والمغرب العربي وأفريقيا، حيث تنتشر نفس القناعة بأن الأرض “شرف القبيلة” ولا يجوز أن تنتقل خارجها، حتى وإن كان الثمن ظلم النساء وحرمانهن من أبسط حقوقهن.
بدوره، أكد المختص في علم الاجتماع عبد الحفيظ صندوقي أن هذه العادة لا تزال قائمة حتى في بعض المدن الكبرى، لكنها بدأت تتآكل تدريجياً بفضل تنامي وعي النساء بحقوقهن، ما دفع العديد منهن إلى اللجوء للمحاكم للمطالبة بحقوقهن الشرعية.
أضاف أن العائلات التي تمارس هذا التقليد تتبناه غالبًا من باب “الحفاظ على الأرض داخل العائلة”، لكن المفارقة تكمن في أن هؤلاء النساء يُستقبلن عند الطلاق أو الترمل كنوع من التعويض، في محاولة لتلطيف الضرر الناتج عن حرمانهن من الميراث.
الآثار الاجتماعية السلبية لهذه العادة
بعيدًا عن البعد التاريخي والثقافي، حذر خبراء من الآثار الاجتماعية السلبية لهذه العادة، التي تحولت إلى سبب رئيسي لانتشار النزاعات العائلية والتفكك الأسري، بل وبلغت بعض الحالات أروقة المحاكم، بعد أن رفضت نساء التسليم بأعراف تُعتبر جائرة وتعسفية.
يخلص المحللون إلى أن الحرمان من الميراث في هذه المناطق ليس مجرد عرفٍ قبلي، بل مرآة لصراع طويل بين الموروث الثقافي وحقوق الإنسان، وبين قيم التقاليد وقوانين الدولة التي تمنح المرأة نصيبها الشرعي الكامل.
حرمان المرأة من الميراث مأساة معلّقة على وثيقة عمرها 3 قرون
رغم محاولات التبرير التاريخي، يبقى حرمان المرأة من الميراث في بعض مناطق الجزائر مأساة معلّقة على وثيقة عمرها 3 قرون، واليوم، ومع تصاعد الوعي، تخوض المرأة الجزائرية معركة لا تقل ضراوة عن تلك التي وقعت عام 1749، لكن سلاحها هذه المرة هو القانون، والقناعة بحقها، والإصرار على العدالة.