يعيش المشهد المالي في مصر مرحلة حاسمة، إذ كان القطاع المصرفي قبل ثورة 30 يونيو على حافة الانهيار، حيث عانت البنوك من أزمات كبيرة، وتراجعت محافظ القروض والودائع، وارتفعت المخاطر بشكل ملحوظ، لكن بفضل الإجراءات الإصلاحية التي اتخذها البنك المركزي المصري في عام 2016، تمكن القطاع المصرفي من تعزيز السيولة اللازمة لدعم الاقتصاد المصري، وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتحسين تحويلات المصريين بالخارج، رغم الأزمات العالمية التي شهدتها البلاد.

مواضيع مشابهة: البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 80 مليار جنيه اليوم
تحويلات المصريين بالخارج:
على مدار السنوات الأخيرة، استطاع البنك المركزي المصري تحقيق انتعاش ملحوظ في تحويلات المصريين العاملين بالخارج، مما يعكس ثقة المؤسسات الدولية في استقرار الاقتصاد المصري، ويؤكد عدم تعرض أموال المصريين المقيمين بالخارج لأي مخاطر في المستقبل القريب أو البعيد، وقد شهدت هذه التحويلات تحسنًا ملحوظًا منذ تحرير سعر الصرف في عام 2022، حيث ساهمت في تعزيز الاحتياطي النقدي الأجنبي، ولعبت دورًا كبيرًا في مواجهة الأزمات الاقتصادية الحالية، محققة زيادة بنسبة 72.4% خلال 11 شهرًا، لتصل إلى نحو 32.6 مليار دولار مقارنة بـ 18.5 مليار دولار في العام المالي 2013/2014.
الاحتياطي النقدي الأجنبي:
نجح البنك المركزي المصري في تعزيز مكونات الاحتياطي النقدي الأجنبي، سواء من العملات الرئيسية أو الذهب، بفضل سياسته الحكيمة، حيث ارتفع الاحتياطي النقدي إلى 48.5 مليار دولار بنهاية مايو 2025، مقارنة بـ 25.8 مليار دولار في عام 2014.
صافي الأصول الأجنبية للبنوك:
تمكن القطاع المصرفي المصري من تحقيق زيادة في صافي الأصول الأجنبية، مما يعكس ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد المصري، ويعزز استقرار سوق الصرف، ويقلل الضغط على الاحتياطيات الأجنبية، مما يدعم قدرة القطاع المصرفي على تلبية احتياجات الاقتصاد، ويعزز التدفقات النقدية الأجنبية، ويشكل تحسن صافي الأصول الأجنبية مؤشرًا قويًا على نجاح السياسات النقدية في تحقيق الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي المستدام، حيث بلغ صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي نحو 9.88 مليار دولار بنهاية مايو الماضي، مقارنة بـ 11.905 مليار دولار بنهاية أبريل 2025.
القضاء على السوق الموازية:
شهدت السوق السوداء هزة قوية في السنوات الأخيرة مع تراجع سعر الدولار بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى خسائر كبيرة لتجار العملة، وذلك بعد قرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، وهو خطوة حاسمة للسيطرة على الأزمة الاقتصادية، ومع تحرير سعر الصرف، فقدت السوق السوداء أحد أهم أسلحتها، وهو الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، وأصبح بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من البنوك بسعر عادل، مما قلل من الحاجة للجوء إلى السوق السوداء، ومن المتوقع أن تواجه السوق السوداء صعوبات كبيرة في استعادة قوتها، خاصة مع تشديد الرقابة الحكومية على عمليات بيع وشراء العملة، وحرص البنك المركزي على توفير الدولار للمواطنين بسعر الصرف الرسمي.
استخدم البنك المركزي استراتيجية قوية للتعامل مع هذه السوق، من خلال اتخاذ إجراءات تهدف إلى تقليصها، مثل استخدام العقود الآجلة للاستيراد، مما ساعد على تخفيف الضغط على العملة، وأصدر تعليمات لشركات الصرافة بتخصيص 5 ملايين جنيه من رأس المال المدفوع لكل فرع، كما لم يتوقف البنك المركزي عند مواجهة السوق السوداء فقط، بل كان لديه اهتمام كبير بتلبية احتياجات السوق المصرية، حيث عقد اجتماعات دورية مع جميع البنوك لمناقشة قدرتها على توفير العملة الأجنبية لعمليات الاستيراد والتزامات المسافرين، مما يعكس قوة المراكز المالية للبنوك وقدرتها على تلبية احتياجات الدولار.
معدل التضخم:
على مدار السنوات الماضية، تمكن البنك المركزي المصري من كبح جماح معدلات التضخم من خلال اتخاذ العديد من القرارات، أبرزها زيادة أسعار الفائدة وتوحيد سعر الصرف، وقد أثبتت هذه الإجراءات فعاليتها في السيطرة على التضخم خلال الأشهر الأولى من عام 2025، حيث تأثر معدل التضخم بعوامل عالمية متعددة، ليصل إلى نحو 13.1% في مايو 2025.
البنوك تجدد ثقة المؤسسات الدولية في تعديل تصنيفها إلى إيجابية:
نجح البنك المركزي المصري في استعادة ثقة مؤسسات التصنيف الدولية، حيث تم تغيير النظرة المستقبلية لتصنيف 5 بنوك مصرية إلى إيجابية، مما يعكس مسيرة التعافي الاقتصادي، وخلق المزيد من الفرص الاستثمارية، خاصة مع تمكين القطاع الخاص لتنشيط القطاعات الإنتاجية والصناعية والتصديرية، لتحقيق التنمية المستدامة، وقد أكدت وكالة “فيتش” أن مصر هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي حصل قطاعها المصرفي على نظرة مستقبلية إيجابية لعام 2025، مما يدل على تحسن ملحوظ في البيئة التشغيلية، وزيادة الثقة في قدرة البنوك المصرية على الصمود والنمو.
مقال مقترح: من يسيطر على 3 مليارات جنيه؟ انتخابات صندوق الانتماء وسط احتجاجات عمال الكهرباء
حظي البنك الأهلي المصري بتقييم خاص في تقرير الوكالة، حيث حافظ البنك على تصنيفه الائتماني عند درجة B مع نظرة مستقبلية مستقرة، كما حصل على تصنيف B في القابلية للبقاء، و”b” في تصنيف دعم الحكومة، بينما يتمتع بنك مصر بحضور قوي في السوق، كونه ثاني أكبر بنك من حيث الأصول، ويخدم أكثر من 18 مليون عميل عبر شبكة فروع واسعة. أما بالنسبة للبنك التجاري الدولي – مصر (CIB)، فقد أكدت “فيتش” تصنيفها عند درجة “+B” مع نظرة مستقبلية مستقرة، مما يعكس الأداء القوي للبنك وقوة مركزه المالي.
التحول الرقمي في البنوك:
أصبحت التكنولوجيا المالية من أهم أولويات البنوك، حيث تهدف إلى توسيع نطاق تقديم الخدمات المالية والمصرفية، مما ساعد في زيادة كفاءة الخدمات وتعزيز الشمول المالي والتحول إلى مجتمع غير نقدي، وقد لعب البنك دورًا كبيرًا في تعزيز التحول الرقمي والمدفوعات الرقمية، حيث ساهمت استراتيجيات البنك المركزي في بناء بنية تحتية قوية للتعاملات الرقمية، مما أدى إلى رفع نسبة الشمول المالي من 27% إلى 71.5%، وتحسين جودة الحياة لكافة أفراد المجتمع، بما في ذلك الفئات الجديدة مثل الشباب والنساء وذوي الهمم، حيث شهدت المدفوعات الرقمية تطورات كبيرة بفضل التعاون بين مختلف الأطراف المعنية، من البنك المركزي إلى الجهات الحكومية والخاصة.
بدأ البنك المركزي منذ عام 2016 في بناء بنية تحتية قوية للتعاملات الرقمية، مما ساهم في رفع نسبة الشمول المالي، مع انتشار حوالي 65 مليون بطاقة دفع إلكترونية و47 مليون محفظة هاتف محمول، وقد أصبحت شبكة المدفوعات اللحظية “انستا باي” منظومة رائدة بفضل البنية التحتية المتقدمة، حيث سجلت مليار حركة بقيمة 7 تريليونات جنيه في 2021، ومن المتوقع أن تصل إلى 6 مليارات حركة بقيمة 22 تريليون جنيه في 2024.