في مدينة غارقة في التاريخ، وتنبض بالحضارة من كل زاوية، تتحول السكينة إلى جحيم مرتين في كل عام، وقد تصل إلى ثلاث مرات في بعض الأحيان، في العاصمة الإيطالية روما، حيث لا صوت يعلو فوق صوت “ديربي ديلا كابيتالي”، فالمباراة هنا ليست مجرد مباراة، بل هي حرب تُخاض من أجل الكرامة، والذكريات تُكتب بدماء العشق والكراهية
.

مقال له علاقة: رئيس كاف يعبّر عن فخر الملايين بالأهلي ويؤكد ثقته في تمثيلهم لإفريقيا بكأس العالم للأندية
صراع الهوية والانتماء منذ تأسيس الفريقين.
هذا هو ديربي العاصمة الإيطالية، حيث يلتقي روما مع لاتسيو، صراع لا يُضاهى، لا في إيطاليا ولا في أوروبا، ولا حتى في أمريكا الجنوبية، إذ يعلو صوت الجماهير على صافرة الحكم، وتُختزل فيه كل مشاعر المدينة المعقدة مثل الكبرياء، والغضب، والانتقام، وربما الحقد.
عداء من الرحم.. حين وُلد الانقسام قبل أول صافرة.
قبل أن يتواجه الفريقان في أول مباراة، وُلد الانقسام، حيث تأسس لاتسيو في عام 1900، وجذب في بداياته أبناء الطبقة الراقية، والضباط، والنخب المثقفة، وكان يحمل شعار الأولمبية والتمجيد البدني، لا الكروي فقط.
في المقابل، تأسس نادي روما عام 1927 بقرار شبه سياسي من النظام الفاشي لتوحيد أندية العاصمة ضد سيطرة فرق الشمال، لكنه سرعان ما أصبح رمزًا للطبقة الشعبية، حيث وقفت خلفه الحواري الضيقة، والمقاهي البسيطة، والأحياء المتوسطة، جميعها دعمت “الذئاب”.
قنبلة 1989.. في المدرجات وليست في الشباك
.
في عام 1989، تم تفجير عبوة ناسفة داخل مدرجات “كورفا سود” الخاصة بجماهير روما، مما أسفر عن إصابة أكثر من 10 مشجعين، ولم تتمكن الشرطة من تحديد الجناة بدقة، لكن كل طرف اتهم الآخر، مما زاد من حدة الكراهية بشكل كبير
.
السياسية قبل كرة القدم.
تُعرف جماهير لاتسيو تاريخيًا بميولها اليمينية المتطرفة، حيث رفعت في أكثر من ديربي لافتات تحمل رموز نازية، أو رسائل معادية لليهود، تستهدف جماهير روما، وكان أبرزها في عام 1999، لافتة تحمل عبارة “أنتم اليهود، اقترب وقت موتكم”.
كرة القدم ليست الأساس، ديربي روما خُلق ليُشعل نار الانقسام
.
مع مطلع القرن الجاري، وفي ديربي 2004، تسببت شائعة عن مقتل طفل من جماهير الرومانيستا في كارثة، حيث نزل القادة من المدرجات إلى أرض الملعب لإيقاف المباراة، وتحول ملعب الأولمبيكو إلى ساحة معركة، مما أسفر عن أكثر من 170 مصاب، وخسائر مالية لا تحصى.
ديربي 2017 .. شتائم من السماء
في عام 2017، استخدمت جماهير الذئاب طائرة صغيرة دون طيار، حملت لافتة تسخر من لاعبي الغريم وتهين قائدهم السابق “باولو دي كانيو”.
نجوم صنعت المجد والدمار
شهد ديربي العاصمة أسماء عديدة كتبت التاريخ بدم القلب، ولعل أبرزها:
فرانشيسكو توتي، أسطورة روما، وهداف الديربي التاريخي برصيد 11 هدفًا، لم يكن مجرد لاعب، بل زعيم يحمل الكراهية لخصمه في كل خلية من جسده، حيث كانت احتفالاته دائمًا مستفزة، مثل تصوير سيلفي أمام جماهير لاتسيو، أو رفع القميص ليعلن: “أنا ملك روما”
باولو دي كانيو، الرجل الذي جسد كل ما تكرهه جماهير روما، سجل، شتم، واحتفل بتحية فاشية شهيرة كادت تؤدي إلى شطبه نهائيًا من الملاعب، لكنه لا يزال أيقونة لجماهير لاتسيو.
شوف كمان: أرقام الدوري السعودي تكشف القوة: من هيمنة الاتحاد إلى تألق رونالدو في الصدارة
سينيسا ميهايلوفيتش، واحد من أكثر اللاعبين المكروهين في تاريخ روما، لم يكن مجرد لاعب شرس في الدفاع، بل كان يزيد العداء كلما لمس الكرة
.
المدرجات.. جبهة لا تهدأ
يتميز ديربي ديلا كابيتالي بالحرب النفسية من المدرجات، حيث ينتظر الجميع في كل مباراة “اللافتة الصادمة” التي سترفعها “كورفا سود” أو “كورفا نورد”، ففي عام 2018، رفعت جماهير الذئاب لافتة تحمل تواريخ وفيات مشجعين من لاتسيو، مما وُصف بأنه تصرف منحط أخلاقيًا
.
وجاء الرد عنيفًا من جماهير النسور بلافتة تشبه إعلانًا جنائزيًا كُتب فيه: “الذكرى السنوية لموت كرامتكم، توقيع كاندريفا 2013”، في إشارة لهدف تتويج لاتسيو التاريخي بكأس إيطاليا على حساب الغريم بأقدام أنطونيو كاندريفا
ديربي لا يُنسى.. ولو خسر الجميع
حتى في أسوأ مواسم الفريقين، يبقى الديربي حدث العام، فمن يفوز به، يكسب موسمًا نفسيًا كاملًا، ومن يخسره، يدخل نفقًا مظلمًا، حيث يُقال المدربون بسبب الخسارة، والنجوم يتحولون إلى أبطال أو خونة، ففي عام 2021، خسر روما الديربي بثلاثية، وانتظرت جماهيره اللاعبين، وأجبرتهم على خلع القمصان، لأنها “لم تعد تستحق أن ترتدي شعار الذئاب”، كما وصفوا.
في روما، لا تعيش في المنتصف
المدينة التاريخية لا تعترف بالحياد، إما أن تكون ذئبًا أو نسرًا، إما رومانيستا أو لاتسيالي، حيث تنقسم الشوارع، والمقاهي، وحتى العائلات على نفسها يوم الديربي.
في مدن أخرى، يُقال “كرة القدم تجمع الشعوب”، لكن في روما، إنها تقسمهم إلى أعداء، مدى الحياة.