أكد الدكتور أحمد إمام، الخبير الاقتصادي، أن الزيادة الكبيرة في التدفقات الأجنبية التي شهدتها مصر خلال عام 2024، والتي وصلت إلى نحو 54 مليار دولار، تُعتبر استثناءً ظرفيًا، وليست نتيجة لتحسن هيكلي في مؤشرات الاقتصاد، حيث أوضح أن هذا الرقم القياسي جاء نتيجة صفقة ضخمة واحدة، وهي اتفاق “رأس الحكمة” مع دولة الإمارات، التي استثمرت 35 مليار دولار كاستثمار مباشر، ما يعني أن هذه التدفقات لن تتكرر في عام 2025، حيث من المتوقع أن تتراجع إلى حوالي 24 مليار دولار، مما يعيدنا إلى المعدلات الطبيعية.

مقال مقترح: إعادة تقييم الإصلاحات الاقتصادية في مصر بسبب التوترات الإقليمية
فجوة تمويلية تهدد الاستقرار
وأشار إمام إلى أن مصر تواجه فجوة تمويلية تُقدر بحوالي 35.3 مليار دولار خلال عام 2025، موزعة بين عجز الحساب الجاري الذي يبلغ 16.8 مليار دولار، وسداد ديون خارجية تصل إلى 12.5 مليار دولار، بالإضافة إلى تعزيز احتياطي النقد الأجنبي بنحو 6 مليارات دولار.
شوف كمان: جولدمان ساكس: أوبك+ ترفع الإنتاج حتى أغسطس وسط دعم الطلب ونقص الإمدادات
ولفت إلى أن الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي يمثل مصدر قلق، خاصة في ظل تذبذب الأموال الساخنة، التي بلغت 38.17 مليار دولار حتى أكتوبر 2024، مشيرًا إلى أن هذه النوعية من التدفقات سريعة الخروج ولا تمثل ركيزة آمنة للاستدامة.
الحساب الجاري تحت ضغط متزايد
وأكد الدكتور أحمد إمام أن الحساب الجاري المصري لا يزال يعاني من اختلالات، حيث سجل عجزًا بلغ 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2024-2025، مدفوعًا بعدة عوامل سلبية، أبرزها تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 61%، من 10.25 مليار دولار إلى 3.99 مليار دولار، نتيجة التوترات في البحر الأحمر، وارتفاع فاتورة الواردات، خاصةً السلع الغذائية والوقود، وانخفاض صادرات الغاز الطبيعي، ما أدى إلى تحول مصر إلى مستورد صافٍ للطاقة.
مؤشرات إيجابية تحد من الخطر
في المقابل، أشار إمام إلى أن هناك عوامل داعمة ساعدت في تخفيف أثر العجز، من أبرزها ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 80.7% لتصل إلى 17.1 مليار دولار خلال النصف الأول من 2024-2025، ونمو السياحة بنسبة 12.4% لتصل إلى 8.7 مليار دولار، وتحسن الصادرات غير البترولية بنسبة 27%، مسجلة 16.7 مليار دولار في أول 4 أشهر من 2025.
الإصلاح الهيكلي هو الطريق
ونوّه إمام إلى أن برنامج صندوق النقد الدولي لا يزال يوفر غطاءً تمويليًا مهمًا، بقيمة 8 مليارات دولار على مدار 46 شهرًا، صرفت منها مصر حتى الآن 6.6 مليار دولار، فيما تبقى شريحتان بقيمة 2.3 مليار دولار متوقعتان خلال الفترة المقبلة، واختتم إمام تصريحه بالتأكيد على أن النجاح في تجاوز هذه المرحلة الانتقالية يتطلب التزامًا صارمًا بالإصلاح الهيكلي، يشمل تعزيز الانضباط المالي وتحسين كفاءة الإنفاق العام، وإدارة رشيدة للدين العام وتنويع مصادر التمويل، وتنمية قطاع التصدير وجذب استثمارات مباشرة طويلة الأجل، واستمرار تطوير قطاعي السياحة والخدمات كدعائم للنقد الأجنبي.
وأضاف أن مصر تمتلك المقومات اللازمة لتحقيق استقرار مالي واقتصادي مستدام، بشرط عدم الاعتماد على التدفقات المؤقتة، والعمل على بناء اقتصاد إنتاجي تنافسي قادر على امتصاص الصدمات الخارجية.