في ظل التحولات الجيوسياسية السريعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تعود مجددًا نظرية السلام مقابل الطاقة لتبرز كاستراتيجية جديدة تسعى إسرائيل من خلالها لتوسيع نطاق التطبيع مع الدول العربية، معتمدة هذه المرة على أدوات اقتصادية قوية، أبرزها الغاز الطبيعي.

شوف كمان: إيران تستعد لشن أقوى هجوم صاروخي في تاريخها على تل أبيب
فهل أصبح الغاز ورقة إسرائيلية لإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية؟ وهل ستنجح تل أبيب في استخدام مواردها الطبيعية لإغراء دول عربية جديدة للانضمام إلى مسار التطبيع؟
من الأرض مقابل السلام إلى السلام مقابل الغاز
منذ التسعينيات، كانت المفاوضات بين إسرائيل والدول العربية تتمحور حول مبدأ الأرض مقابل السلام، وهو ما تجسد بوضوح في اتفاقيات أوسلو ووادي عربة.
لكن مع تعثر هذا المسار وتبدد آمال حل الدولتين، تغيرت قواعد اللعبة بشكل جذري.
اتفاقات أبراهام
مع توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020، ظهر مسار جديد يعتمد على تبادل المصالح بعيدًا عن القضية الفلسطينية، وبرز مفهوم “السلام مقابل الطاقة” كأداة جديدة للتطبيع.
تسعى إسرائيل اليوم لترسيخ هذا النهج عبر استخدام الغاز الطبيعي كوسيلة لجذب دول لا تقيم معها علاقات رسمية، مستفيدة من الاكتشافات الضخمة للغاز في البحر المتوسط، وتزايد الطلب العالمي على الطاقة، خاصة بعد أزمة أوكرانيا.
الغاز كمحفز اقتصادي للتقارب
تمتلك إسرائيل شبكة متطورة من البُنى التحتية لتسييل الغاز ونقله، وتتعاون مع دول الجوار لتصديره إلى أوروبا عبر محطات الإسالة.
الأردن يعتمد منذ سنوات على الغاز الإسرائيلي لتغذية شبكته الوطنية، في إطار اتفاق أثار جدلًا داخليًا واسعًا.
تطبيع العلاقات
الأهم هو أن إسرائيل تقدم الغاز كمنتج تجاري، بل كأداة سياسية يمكن استخدامها لتطبيع العلاقات مع دول مثل لبنان عبر المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، أو حتى دول الخليج وشمال إفريقيا من خلال مشاريع تعاون إقليمي أوسع مثل “منتدى غاز شرق المتوسط”.
في هذا السياق، تثار تساؤلات حول مدى استعداد بعض الدول العربية للدخول في شراكات اقتصادية مع إسرائيل في قطاع الطاقة، دون المرور بالمسار السياسي التقليدي.
التطبيع المغلف بالتعاون الاقتصادي
منذ توقيع اتفاقات أبراهام، شهدت العلاقات الإسرائيلية مع الإمارات والبحرين والمغرب تطورًا اقتصاديًا ملحوظًا، تضمن صفقات في مجالات التكنولوجيا والدفاع والسياحة، لكن قطاع الطاقة أصبح له مكانة خاصة في هذه العلاقات.
الإمارات، على سبيل المثال، أبدت اهتمامًا بالمشاركة في مشاريع طاقة مشتركة، وناقشت إمكانية الاستثمار في بنى تحتية تتعلق بنقل الغاز أو الطاقة المتجددة، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات تطبيع غير تقليدية تعتمد على التعاون الاقتصادي دون الإعلان السياسي الكامل، كما هو الحال مع بعض دول الخليج التي تحتفظ بعلاقات أمنية أو تجارية مع إسرائيل خلف الكواليس.
العقبة الأبرز أمام إسرائيل
رغم الزخم الاقتصادي والدبلوماسي الذي تسعى إسرائيل لاستثماره، تبقى الشعوب العربية في معظمها ترفض التطبيع مع إسرائيل، خاصة في ظل استمرار الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
شوف كمان: مصر والصين تؤكدان أهمية تقليل مخاطر اتساع الصراع في الشرق الأوسط
وتشكل قضية الغاز في بعض الدول ملفًا حساسًا، كما في الأردن، حيث يرفض كثير من المواطنين اتفاق الغاز مع إسرائيل ويعتبرونه نوعًا من “التطبيع القسري”.
في لبنان، ورغم أن البلد خاض مفاوضات غير مباشرة لترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل بوساطة أمريكية، إلا أن أي تطور نحو التعاون الاقتصادي في ملف الغاز ما زال مستبعدًا نظرًا لحساسية الرأي العام ورفض حزب الله لأي تقارب مع تل أبيب.
منتدى غاز شرق المتوسط
أسست إسرائيل، إلى جانب مصر واليونان وقبرص ودول أخرى، “منتدى غاز شرق المتوسط”، الذي يتخذ من القاهرة مقرًا له، ورغم أن المنتدى يقدم نفسه كمنصة للتعاون الإقليمي، إلا أن البعض يرى فيه أداة إسرائيلية لبسط النفوذ وشرعنة وجودها في الإقليم ضمن مظلة اقتصادية مشتركة.
يمكن أن تُستخدم هذه المنصة لتشجيع انضمام دول أخرى تسعى للاستفادة من احتياطيات الغاز في المتوسط أو خطوط التصدير نحو أوروبا، مما يجعل المشاركة فيها خطوة نحو الانفتاح التدريجي على إسرائيل حتى دون اتفاقات سياسية معلنة.
في نهاية المطاف، يبدو أن إسرائيل تسعى لإعادة رسم خريطة العلاقات الإقليمية عبر أدوات غير تقليدية، وعلى رأسها الغاز الطبيعي، فمن خلال مشاريع الطاقة، تفتح أبواب الحوار مع دول عربية، وتقدم نفسها كشريك اقتصادي لا غنى عنه في عالم يزداد تعطشًا للطاقة.
لكن هذا المسار يبقى محفوفًا بالتحديات، خاصة في ظل الرفض الشعبي، واستمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وغياب أي أفق لحل عادل وشامل، فالغاز قد يفتح قنوات تواصل، لكنه لا يُنهي صراعًا عمره عقود، فهل يصبح “السلام مقابل الطاقة” واقعًا؟