تسعى جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، المرتبطة بتنظيم “القاعدة” في منطقة الساحل الإفريقي، إلى إعادة تشكيل وجودها في المشهد الإقليمي من خلال دمج العنف بالسياسة، مستفيدة من الفوضى التي تلت الانقلابات العسكرية المتكررة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

مقال له علاقة: خبير سياسي إسرائيلي يطرح فكرة تقسيم إيران
على عكس السنوات السابقة التي كانت فيها الجماعة تركز على شن هجمات عسكرية ضد القوات النظامية، تشير المؤشرات الحالية إلى توجهها نحو تعزيز نفوذها السياسي، مستفيدة من الانقسامات الداخلية في الدول الثلاث، بالإضافة إلى الانسحاب الدولي الذي خلق فراغًا في السلطة.
يهدف هذا التحول إلى فرض الجماعة نفسها كطرف سياسي مؤثر، يتجاوز مجرد السيطرة بالقوة المسلحة، في محاولة لبناء شرعية محلية وزيادة قاعدة دعمها في المجتمعات المحلية.
معادلة جديدة في ظل الانهيار
في ظل انسحاب القوات الغربية، خاصة الفرنسية، وتزايد التقارب بين الأنظمة العسكرية وروسيا، وجدت الجماعة في الفراغ الأمني فرصة نادرة لتوسيع أنشطتها.
يشير المحللون إلى أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” لم تعد تكتفي بتنفيذ الهجمات، بل أصبحت تقدم نفسها كطرف قادر على التأثير في تشكيل الحكومات أو فرض شروط على السلطة القائمة.
يقول الباحث في الشؤون الإفريقية، قاسم كايتا، في تصريحات صحفية، إن الجماعة تطبق ما وصفه بـ”معادلة ضغط مركّبة”، تمزج بين التصعيد العسكري والسعي لفرض وقائع سياسية، ويرى أن تحركات الجماعة الأخيرة في مالي، وخاصة دعوتها لتشكيل حكومة انتقالية جديدة، تمثل محاولة واضحة لترسيخ شرعيتها كقوة مؤثرة.
وأضاف كايتا: “تعاني الجيوش الوطنية من ضعف في التجهيز والانقسام الداخلي، ما يمنح الجماعة القدرة على تنفيذ عمليات قرب مراكز حساسة، ويقربها أكثر من مناطق النفوذ السياسي”
مواضيع مشابهة: أبرز بنود هدنة غزة لوقف إطلاق النار قبل ساعات من رد حماس
نموذج “طالبان” بنسخة إفريقية
من جانبه، يرى الخبير العسكري عمرو ديالو أن الجماعة بقيادة إياد آغ غالي تتجه لتكرار تجربة حركة “طالبان” في أفغانستان، من خلال تقديم نفسها كبديل قابل للحكم، وليس مجرد تنظيم مسلح.
يقول ديالو إن هذا التحول في الخطاب لا يتماشى مع الواقع، إذ إن العمليات المستمرة ضد المدنيين والقوات النظامية تقوّض أي فرص للاعتراف بها كطرف سياسي.
ويضيف: “الجماعة تسعى للاستفادة من تآكل ثقة المواطنين بالحكومات العسكرية، ومن الفراغ الذي خلفه انسحاب القوى الدولية، إلا أن طبيعتها الأيديولوجية العنيفة تجعلها غير قابلة للاحتواء ضمن أي مسار سياسي حقيقي”
تحديات السلطة وغياب الردع
تشير التقارير إلى أن الهجمات المسلحة باتت تقترب من العاصمة المالية باماكو، ما يضع سلطة الجنرال آسيمي غويتا أمام اختبار مصيري، خاصة في ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة لمواجهة التهديدات المتزايدة.
ومع توعد آغ غالي بهزيمة المجالس العسكرية وتأكيده على “فشل” الدعم الروسي، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مزيد من التصعيد.
وبالتزامن مع تزايد وتيرة الانفلات الأمني، يلوح في الأفق سيناريو قاتم: ساحل إفريقي تمزقه النزاعات، وتتنافس فيه الجماعات المسلحة مع الأنظمة القائمة على الشرعية والسلطة