ألمانيا تقترب من النووي الأوروبي وتطرح إمكانية رادع جديد في القارة العجوز

في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المشهد الأمني الأوروبي، تبرز ألمانيا مجددًا في قلب الجدل النووي، ليس كدولة تمتلك سلاحًا نوويًا، بل كلاعب أساسي في إعادة تشكيل ملامح الردع الأوروبي.

ألمانيا تقترب من النووي الأوروبي وتطرح إمكانية رادع جديد في القارة العجوز
ألمانيا تقترب من النووي الأوروبي وتطرح إمكانية رادع جديد في القارة العجوز

فقد صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، بأن ألمانيا تمتلك البنية التحتية والتقنية والمعرفة التي تؤهلها نظريًا لتطوير سلاح نووي في غضون أشهر، إذا تم اتخاذ القرار السياسي المناسب.

وأشار جروسي إلى وجود منشآت بحثية متقدمة مثل مركز “جونشينغن” لتخصيب اليورانيوم، مؤكدًا في الوقت ذاته التزام برلين بمعاهدة عدم الانتشار.

وعلى الرغم من عدم امتلاكها لرؤوس نووية خاصة، تشارك ألمانيا في اتفاقية المشاركة النووية مع الولايات المتحدة، التي تسمح بتخزين قنابل نووية من طراز B61 على أراضيها، بالإضافة إلى تدريب قواتها الجوية على استخدامها عبر مقاتلات إف-35 الأمريكية المتطورة.

جدل داخل ألمانيا وأوروبا

أثارت هذه المشاركة النووية جدلاً واسعًا داخل ألمانيا وخارجها، حيث يعتبرها البعض التفافًا على معاهدة عدم الانتشار، نظرًا لأن ذلك يمنح دولًا غير نووية القدرة الفعلية على استخدام السلاح النووي في حال نشوب صراع واسع النطاق.

ومع تصاعد التوترات، بدأ بعض القادة الأوروبيين يشككون في مدى استدامة الحماية النووية الأمريكية، خاصة في ظل تقلب مواقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أشار مرارًا إلى أن التزامات واشنطن تجاه حلف الناتو ليست مضمونة.

سلاح نووي أوروبي

في هذا السياق، طرحت نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، كاتارينا بارلي، فكرة إنشاء “مظلة نووية أوروبية”، من خلال تعزيز التعاون مع دول تمتلك قدرات نووية، مثل فرنسا وبريطانيا، مشددة على أن امتلاك أوروبا لقنبلة نووية خاصة بها سيعزز من استقلالية القرار الدفاعي الأوروبي ويدفع نحو بناء جيش أوروبي موحد.

وفي سابقة لافتة، كشفت تقارير في فبراير 2025 عن محادثات فرنسية لنشر طائرات “رافال” القادرة على حمل رؤوس نووية في قواعد ألمانية، كخطوة تعكس تنامي الشعور بضرورة إنشاء رادع نووي أوروبي مستقل عن المظلة الأمريكية.

وعلى صعيد حلف الناتو، أعلن أمينه العام، مارك روته، أن الحلف يبحث في توسيع المشاركة النووية عبر نشر مزيد من القنابل النووية والطائرات القادرة على تنفيذ مهام نووية، ردًا على التهديدات الأمنية المتزايدة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022.

ألمانيا.. من تابع إلى فاعل

كل هذه التحولات تعيد تشكيل صورة ألمانيا كدولة كانت لعقود “تابعة نوويًا” في إطار الحماية الأمريكية، لكنها اليوم على مفترق طرق بين الاستمرار في هذا الدور أو التحول إلى فاعل رئيسي في هندسة الردع النووي الأوروبي.

ومع استمرار النقاشات الداخلية والأوروبية، تتجه الأنظار إلى برلين، حيث يبدو أن خياراتها في العقد المقبل لن تقتصر على تحديث سلاحها التقليدي، بل قد تشمل أيضًا دورًا مباشرًا في بناء استراتيجية نووية أوروبية متعددة الأقطاب.