ديربي الأبدية.. عندما تتحول مباريات الكرة إلى حرب شوارع في لشبونة.

شوف كمان: ريبيرو يكشف عن قرار مفاجئ بشأن زيزو قبل مباراة إنتر ميامي
في إحدى أمسيات عام 1907، وبين أزقة العاصمة البرتغالية لشبونة المرصوفة بالحجارة القديمة، حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث اختفى ثمانية لاعبين من فريق بنفيكا، وكان بعضهم من رموز النادي، من تدريباتهم دون سابق إنذار، وكانت الوجهة صادمة، سبورتينج لشبونة، النادي المدعوم من الأرستقراطيين وأصحاب النفوذ، لم يكن الأمر مجرد انتقال رياضي، بل خيانة مكتملة الأركان فجّرت أولى شرارات العداء بين الجارين، ومنذ تلك اللحظة، لم يعد اللقاء بين الفريقين مجرد مباراة كرة قدم، بل أصبح معركة كرامة، وصراعًا بين الشعبية والفخامة، وبين العرق والذهب، وبين الجنوب الفقير والشمال الأرستقراطي.
في كل ديربي، تتوقف نبضات المدينة، وتُرفع رايات التحدي، الأب يغلق الراديو، والابن يرتدي قميص فريقه، والجار يُقاطع جاره، إنه ديربي بنفيكا وسبورتينج “الديربي الأبدي” لا تُنسى بدايته، ولا يُتوقع نهايته.
البداية وأصل العداء التاريخي.
تعود جذور العداء بين الغريمين إلى أوائل القرن الماضي، حيث تأسس سبورتينج لشبونة عام 1906 على يد مجموعة من الشباب الأرستقراطيين يتقدمهم جوزيه ألفالادي، وكان هدفهم إنشاء نادي رياضي راقي يعكس طبقة النخبة في لشبونة، بينما تأسس بنفيكا عام 1904 تحت اسم “Grupo Sport Lisboa”، ثم اندمج لاحقًا مع نادي “Benfica” ليشكل الكيان المعروف اليوم، الذي حمل طابعًا شعبيًا وعماليًا منذ بداياته.
بدأ التنافس فعليًا عام 1907، عندما انتقل 8 لاعبين من بنفيكا إلى سبورتينج، الأمر الذي تم تفسيره حينها بالخيانة من قبل جماهير بنفيكا، وأشعل فتيل العداء الذي لم ينطفئ حتى يومنا هذا، هؤلاء اللاعبون، الذين فضّلوا موارد سبورتينج الأكبر وظروف التدريب الأفضل، شكلوا النواة الأولى للكراهية المتبادلة بين الكبيرين.
مع مرور الوقت، لم يعد الصراع مجرد منافسة رياضية، بل أصبح يُجسد الصراع بين الطبقة الشعبية الكادحة “بنفيكا” والطبقة الأرستقراطية “سبورتينج”، هذا البُعد الاجتماعي زاد من حدة الصراع، ورفع من قيمة الديربي الرمزية في الوسط الرياضي البرتغالي.
مقال له علاقة: وزارة الشباب والرياضة تقدم دعماً جديداً للأندية الجماهيرية من خلال موافقات رسمية وتسهيلات إضافية
أبرز من لعب للفريقين.
رغم العداء الشديد بين العملاقين، فإن بعض اللاعبين ارتدوا قميص الغريمين، وهو أمر يُعد نادرًا وحساسًا للغاية، لعل أبرزهم “جواو بينتو”، الذي يُعتبر من أبرز الأسماء التي لعبت للفريقين، حيث بدأ مسيرته مع بنفيكا، ثم انتقل إلى سبورتينج، وأصبح أحد رموزه وقائده لسنوات، كما يُعد سيماني سابريسا من اللاعبين الذين بدأوا مسيرتهم الاحترافية مع الأخضر والأبيض، ثم انتقل للقلعة الحمراء، وهو من أوائل اللاعبين الذين مثلوا الطرفين في بدايات القرن المنقضي، وباولو بينتو، لاعب خط الوسط المعروف، والمدير الفني السابق للمنتخب البرتغالي، لعب لبنفيكا ثم انتقل إلى الغريم في نهاية القرن الماضي، وأصبح لاحقًا مدربًا للفريق الأخضر والأبيض، أما مانويل فيرنانديش، فقد لعب لبنفيكا في سبعينات القرن الماضي، ولم يرتدِ قميص الغريم، لكنه تولى القيادة الفنية لسبورتينج، وهو خير مثال على عبور الحدود الفنية رغم الانتماء.
ومن المتعارف عليه، أن انتقال لاعب بين الفريقين يُقابل عادة باحتجاجات شديدة من الجماهير، وقد يتسبب في تشويه صورة اللاعب لدى أحد الطرفين إلى الأبد.
أبرز النتائج التاريخية.
شهد ديربي لشبونة “الديربي الأبدي” مواجهات نارية ونتائج لا تُنسى، بعضها دخل التاريخ بسبب عدد الأهداف أو حساسية التوقيت، ولعل أبرزها: ديربي عام 1948، حيث حقق بنفيكا أكبر انتصار على الغريم بسبعة أهداف مقابل هدفين، في مباراة ما زالت تؤلم جماهير الأخضر والأبيض حتى اليوم، وديربي عام 1986، الذي حقق فيه سبورتينج الفوز الأكبر في تاريخه على حساب غريمه التقليدي بسبعة أهداف مقابل هدف واحد، في مباراة لا تُنسى قاد فيها مانويل فيرنانديش فريقه لتسجيل رباعية، في واحدة من أكثر الهزائم قسوة في تاريخ القلعة الحمراء، وديربي عام 2015، حيث فاز الأخضر والأبيض بثلاثية بيضاء، وتحديدًا بملعب النور “الخاص ببنفيكا”، في بطولة الدوري، وهو ما اعتُبر حينها مؤشرًا على عودة سبورتينج للمنافسة الجادة بعد سنوات من التراجع، وأخيرًا ديربي عام 2019، نهائي كأس البرتغال، الذي نجح فيه بنفيكا من ضرب عصفورين بحجر واحد، حيث انتصر على الغريم بهدفين مقابل هدف واحد، وتُوج باللقب في مباراة شهدت إثارة كبيرة وأحداثًا دراماتيكية.
أخيرًا، ديربي لشبونة ليس مجرد مواجهة بين فريقين، بل هو مرآة للتاريخ والثقافة والسياسة الاجتماعية في البرتغال، العداء بين بنفيكا وسبورتينج متجذر، يتجدد مع كل مواجهة، ويُشكّل لحظة فارقة في كل موسم كروي، هو الديربي الذي تتوقف فيه الحياة في العاصمة، وتُرفع فيه رايات الكبرياء، ويُحسم فيه الكثير من المصير الرياضي والمعنوي، وعلى الرغم من أن بنفيكا يتفوق تاريخيًا من حيث عدد البطولات والجماهير، فإن سبورتينج يظل خصمًا عنيدًا وصاحب تاريخ لا يُستهان به، وبين هذا وذاك، سيظل ديربي لشبونة من أكثر الديربيات إثارة في عالم كرة القدم.