لا تزال أزمة سد النهضة الإثيوبي واحدة من أبرز القضايا المثيرة للجدل على الساحة الدولية، خصوصًا بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول السد وحل الأزمة، مما أثار قلق الكثيرين وأسئلة حول نوايا ترامب من هذه التصريحات.

اقرأ كمان: التعليم العالي يحقق 432 مليون تحميل من بنك المعرفة المصري
في هذا السياق، علق الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة والمتخصص في الشؤون المائية على أزمة مصر وإثيوبيا وتصريحات ترامب الأخيرة.
موقف مصر من بناء سد النهضة
قال شراقي في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، إنه لا يمكن إنكار أن الأزمة حول سد النهضة قد وصلت إلى مرحلة حساسة، حيث أظهرت الصور الفضائية أن إثيوبيا بدأت في استعادة كميات من المياه المخزنة في بحيرة السد مع بداية موسم الأمطار في يونيو الماضي، حيث انخفضت كمية المياه من 60 مليار متر مكعب إلى 54 مليار متر مكعب، وهو ما يعكس حجم الضغط على البحيرة، رغم أن إثيوبيا بدأت في إعادة تخزين المياه.
وأضاف أن ما يثير القلق في هذه المرحلة هو السيناريوهات المحتملة في الأيام المقبلة، إذ من الممكن أن تفتح إثيوبيا بوابات المفيض للحفاظ على منسوب 638 مترًا، مما قد يؤدي إلى توازن مؤقت.
وأشار إلى أن السيناريو الأكثر خطرًا هو استكمال إثيوبيا عملية التخزين بشكل كامل حتى منسوب 640 مترًا، مما يعني تدفق المياه عبر مفيض السد دون الحاجة إلى البوابات العلوية، وهو ما قد يشكل خطرًا كبيرًا على السودان، خاصة مع بداية موسم الأمطار الذي يزيد من الإيراد المائي.
أكد شراقي على أنه رغم انخفاض التوترات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة في الفترة الأخيرة، إلا أن الأزمة لم تجد حلاً جذريًا بعد، حيث شهدت المفاوضات بين الأطراف الثلاثة (مصر، السودان، وإثيوبيا) تعثراً كبيرًا في السنوات الأخيرة، على الرغم من الجهود الدولية المبذولة للوساطة.
منذ أن بدأ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب محاولاته للتوسط بين الأطراف، ظهرت تصريحات متضاربة، حيث اتهم الإدارة الأمريكية السابقة بتمويل السد بشكل “غبي” دون فحص عواقب ذلك على دول المصب.
وقد أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة قد تؤدي دورًا كبيرًا في حل الأزمة، بل ووعد بحل المشكلة سريعًا في حال فوزه بجائزة نوبل للسلام، لكن، على الرغم من هذه التصريحات، لم تُفضِ جهود الوساطة إلى اتفاق حاسم، ومن المتوقع أن تكون المحادثات المقبلة أسهل، خاصة بعد اكتمال الملء الأول للسد، مما يقلل من حدة الخلافات.
ثالثًا: التداعيات الإقليمية
أضاف شراقي أن ما يثير القلق أكثر هو التأثيرات المستقبلية التي قد تترتب على تشغيل السد بشكل كامل، حيث يبقى الخطر الأكبر على السودان بسبب تزامن بدء التخزين مع بداية موسم الأمطار، مما قد يؤدي إلى زيادة حجم التدفق من السد بشكل مفاجئ، بينما تعتمد مصر بشكل أساسي على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه، وبالتالي فإن أي اضطراب في تدفق المياه قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة في تأمين احتياجاتها المائية.
رابعًا: الموقف المصري والسوداني
وأفاد شراقي بأنه من المهم التأكيد على أن مصر لن تقبل بأي مساومة تتعلق بمستقبل مياه نهر النيل، فلا يمكن التنازل عن حقوقها المائية تحت أي ظرف، حيث شهدت السنوات الماضية إضرابات شديدة في مفاوضات سد النهضة، خاصة بسبب غياب الشفافية من الجانب الإثيوبي، ومع ذلك، تُظهر تطورات الأزمة أن مصر تتبنى سياسة حذر ومرونة، تسعى لتجنب التصعيد مع إثيوبيا، وتبحث عن حلول دبلوماسية بعيدة عن الصراع.
خامسًا: الخطر على الأمن القومي
إن سد النهضة ليس مجرد مشروع مائي، بل يمثل جزءًا من الأمن القومي لمصر والسودان، لذلك يجب أن تظل هذه القضية في صدارة الاهتمام المصري والدولي، ومن المهم أن تُسرع الأطراف في التوصل إلى اتفاق شامل ينظم عمليات الملء والتشغيل، ويضمن التنسيق المستمر حول أي مشاريع مائية مستقبلية قد تؤثر على تدفق مياه النيل.
التوقعات المستقبلية
لا أعتقد أن سد النهضة سيكون “مسألة حياة أو موت” لمصر كما يروج البعض، حيث إن مصر في وضع أفضل من السنوات السابقة، حيث أن السد العالي والتدابير المصرية قد نجحت في الحفاظ على استقرار الوضع المائي في نهر النيل، لكن التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق مصر والسودان، ويحمي الأمن المائي للمنطقة، يبقى ضرورة لا بد من تحقيقها، موضحًا أنه إذا استمرت إثيوبيا في تجاهل التنسيق مع دول المصب، فقد نشهد تصعيدًا في المواقف، وقد تُصبح الأزمة أكثر تعقيدًا، لذا يجب على المجتمع الدولي دعم الجهود للوصول إلى حل عادل ومتكافئ يضمن لجميع الأطراف حقوقها دون المساس بالأمن المائي لدول المصب.
قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن إثيوبيا بنت سدًا يمكنه منع تدفق المياه إلى مصر، وأشار إلى أن المشكلة تكمن في أننا من مولنا إنشاء هذا السد، مُضيفًا: «أعتقد أننا سنتوصل لحل بشأن مسألة سد النهضة الإثيوبي».
موقف مصر في حل الأزمة مع إثيوبيا
يُذكر أن الدكتور هاني سويلم، وزير الري والموارد المائية، صرح الأسبوع الماضي بأن مصر تتابع كل ما يحدث في سد النهضة الإثيوبي، موضحًا: «نتابع كل حركة تتم في هذا السد عن طريق الأقمار الصناعية والبيانات حتى نستطيع توقع المياه هتيجي إمتى، وفي أي ساعة وبأي كمية، لكن من الصعوبة توقع التصرفات العشوائية دون أي مبرر فني».
قال سويلم، خلال حواره مع الإعلامي شريف عامر، ببرنامج «يحدث في مصر»، المذاع على قناة «إم بي سي مصر»: «أتحدى رئيس وزراء إثيوبيا أن يطبق تصريحاته بالتعاون مع مصر وعدم الضرر بالمصالح المائية لمصر والسودان، والحقيقة أننا نعاني من عشوائية وعبث بمياه النيل الأزرق».
شوف كمان: وزيرا الكهرباء وقطاع الأعمال يناقشان سبل تعزيز كفاءة الطاقة
كيف حمت مصر المواطن من أضرار سد النهضة؟
اكتمل الملء الأول في سد النهضة بعد تخزين 60 مليار م3 على مدار 5 سنوات (2020 – 2024) عند منسوب 638 متر فوق سطح البحر، وأقل مترين فقط من أعلى مستوى للممر الأوسط (640 م) للحفاظ على السد، علمًا بأن أقصى سعة حاليًا 64 مليار م3 نتيجة إنشاء الممر الأوسط منخفضًا خمسة أمتار عن الجانبين، السعة القصوى عند منسوب 645 م في حالة عدم وجود الممر الأوسط 74 مليار م3.
متوسط إيراد النيل الأزرق السنوي خلال 84 سنة في الفترة (1911 – 1995) كان 50 مليار م3، وهي تشكل 60% من إيراد نهر النيل عند أسوان (84 مليار م3)، وفي أقصى سنوات الفيضان لا يتعدى الإيراد 61 مليار م3، وهذا لم يحدث طوال فترة التخزين، لكن كان أعلى قليلاً من المتوسط (أقل من 55 مليار م3)، وليس صحيحًا ادعاء البعض دون أساس علمي بأن إيراد النيل الأزرق السنوي طوال الملء كان 75 مليار م3، وأن هذا سبب عدم تأثر مصر، علمًا بأنهم كانوا يروجون في السنوات الأولى بأن 2 مليون فدان ستتوقف عن الزراعة، وأن منسوب المياه الجوفية سينخفض وتزداد ملوحة التربة الزراعية، وتهجم مياه البحر على الدلتا، ويفقد 10 مليون مزارع رزقهم مما يضطرهم إلى الهجرة غير الشرعية.
السد العالي حمى مصر من الملء الذي تم السنوات الماضية بما فيه من تخزين قبل سد النهضة، وساعد على ذلك الزيادة القليلة في الأمطار مع ترشيد الاستهلاك لتوفير جزء يضاف إلى الاحتياطي، وإعادة استخدام حوالي 25 مليار م3 من مياه الصرف الزراعي (8 مليار م3 مياه جوفية من الوادي والدلتا، 17 مليار م3 من المصارف الزراعية السطحية مع إنشاء محطات معالجة ثلاثية، وتحديد مساحة الأرز 1.1 مليون فدان وعدم زيادتها رغم أنها وصلت إلى 2.5 مليون فدان عام 2008 وكان عدد السكان أقل من الآن بأكثر من 20 مليون نسمة)، وتطوير ري بعض الأراضي الزراعية إلى ري حديث، وتبطين الترع، واستبدال جزء من زراعة قصب السكر ببنجر السكر، ومنع زراعة الموز في بعض الأماكن، ومشروع 100 ألف فدان صوب زراعية، وغيرها، كل هذه المشروعات لم تكن بسبب سد النهضة فقط، لكن كان له دور كبير في تنفيذها في أسرع وقت وتحميل ميزانية الدولة أكثر من 500 مليار جنيه في المشروعات المائية حتى لا يصل ضرر سد النهضة إلى المواطن.
كل إجراءات الحماية السابقة، ووجود السد العالي لا تمنع مصر من التمسك بحقوقها المائية، فالسد العالي أُنشئ بغرض التنمية وحماية مصر من الظروف الطبيعية من فيضانات أو جفاف.