تفاصيل المسودات الإسرائيلية تكشف عن خطط التراجع ونقاط التمركز في غزة

تُظهر كواليس المفاوضات في الدوحة بشأن غزة واحدة من أكثر مراحل الصراع تعقيدًا، حيث تحولت المفاوضات إلى خرائط سياسية وعسكرية تحدد مستقبل القطاع وتوازنات النفوذ فيه، إذ بدأت المسألة بمسودة أولى وُصفت بأنها “انسحاب جزئي تحت غطاء إنساني”، وتلتها تعديلات أمريكية أدت إلى تقليص المناطق العازلة، وصولًا إلى المسودة النهائية التي قدمتها إسرائيل في يوليو الجاري، مما يبرز سعي تل أبيب لإعادة تموضع تكتيكي يحافظ على قبضتها الأمنية في ممرات استراتيجية، دون تحمل كلفة التواجد الكامل داخل غزة.

تفاصيل المسودات الإسرائيلية تكشف عن خطط التراجع ونقاط التمركز في غزة
تفاصيل المسودات الإسرائيلية تكشف عن خطط التراجع ونقاط التمركز في غزة

في المقابل، ترفض حركة حماس أي صيغة لا تتضمن انسحابًا كاملاً، مما يبقي المسافة واسعة بين الورقة والميدان، ويجعل مصير المفاوضات مرهونًا بالتنازلات الدقيقة أو احتمال العودة إلى جولة تصعيد جديدة.

غزة.

المسودة الإسرائيلية الأولى لوقف إطلاق النار – 27 مايو 2025

أفادت مصادر دبلوماسية وإعلامية متطابقة بأن إسرائيل قدمت في 27 مايو 2025 مسودة أولى ضمن مفاوضات الدوحة، تتضمن انسحابًا جزئيًا للقوات من داخل قطاع غزة، مع الإبقاء على نقاط تمركز محددة في مناطق استراتيجية.

وفقًا لتقارير صحيفة The Times of Israel، تنص المسودة على انسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا بعيدًا عن المناطق ذات الكثافة السكانية، وخاصة باتجاه محوري نتساريم وشارع الكويت، جنوب وجنوب وسط القطاع.

كما شملت المقترحات إنشاء غرفة مراقبة جوية تلتزم خلالها إسرائيل بوقف الطيران والاستطلاع العسكري لمدة 10 ساعات يوميًا، تُمدد إلى 12 ساعة خلال فترات تبادل الأسرى، بحسب وثائق مسربة حصلت عليها صحيفة Al Majalla.

وتضمنت المسودة أيضًا إزالة التمركزات العسكرية في شارع رشيد شرق شارع صلاح الدين، مع تدمير كامل للبنية القتالية والإنشائية التابعة للجيش الإسرائيلي في تلك المناطق، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لعودة جزئية للمدنيين.

أما في الشق الإنساني، فقد اقترحت المسودة إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا، تشمل 50 ناقلة وقود لتغذية شبكات الكهرباء، وتشغيل المخابز والمستشفيات، ومواكبة عودة تدريجية للمدنيين النازحين.

موقف حماس

رفضت حماس المسودة، معتبرة أنها لا تلبي مطلب الانسحاب الكامل من القطاع، خصوصًا مع إبقاء إسرائيل على تواجد عسكري في الممرات الاستراتيجية.

بينما اعتبر مراقبون أن المسودة تمثل بداية نحو خريطة إعادة الإعمار وإدخال المساعدات، لكنها لا تحقق “الحد الأدنى من شروط المقاومة الفلسطينية”.

غزة.

المسودة الثانية: تعديلات إسرائيلية تحت الضغط الأمريكي

في بداية يوليو 2025، قدمت إسرائيل مسودة مُعدلة ضمن مفاوضات الدوحة، تضمنت تغييرات جزئية في خريطة الانسحاب العسكري، استجابة لضغوط أمريكية طالبت بتقليص عمق المنطقة العازلة على الحدود المصرية.

وحسب ما أوردته The Times of Israel، وافقت إسرائيل على تخفيض عمق المنطقة العازلة في رفح من 3 كيلومترات إلى 2 كيلومتر فقط، في محاولة لتخفيف التوترات الإقليمية وتقديم تنازلات شكلية للوسيطين الأميركي والقطري.

ورغم التعديل المحدود، احتفظت إسرائيل في هذه المسودة بمساحات واسعة من السيطرة الميدانية داخل القطاع، تشمل ما يزيد عن ثلث مساحة غزة، إضافة إلى الإصرار على إنشاء ما سُمّي بـ”المدينة الإنسانية” جنوب رفح، وهي منطقة مغلقة مخصصة لتجميع النازحين الفلسطينيين وسط انتقادات دولية حادة.

وقد أدى هذا الإصرار على بقاء الوجود العسكري الإسرائيلي في الممرات والمحاور الاستراتيجية إلى تجميد المحادثات مؤقتًا، وفق مصادر دبلوماسية نقلت عنها الصحيفة، حيث أعربت الوفود الفلسطينية عن رفضها التام لأي صيغة لا تشمل انسحابًا كاملاً ونهائيًا من أراضي القطاع.

غزة.

المسودة الثالثة: تعديل إضافي في خريطة الانسحاب

في تطور جديد ضمن مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية في الدوحة، كشفت قناة 12 الإسرائيلية أن إسرائيل قدّمت خلال اليومين الماضيين مسودة ثالثة، تُعد التعديل الثاني في غضون أسبوعين، في محاولة للوصول إلى صيغة توافقية تنهي حالة الجمود المستمرة منذ أسابيع.

ووفق ما نقلته وكالة الأناضول، فإن المسودة الأحدث تتضمن خفضًا إضافيًا في مساحة السيطرة العسكرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة، مع الحفاظ على تموضع تكتيكي في الممرات الأمنية الاستراتيجية، وهي: كوريدور موراج، محور نتساريم، ومحور فيلادلفيا الممتد على الحدود مع مصر.

كما أفادت صحيفة The Times of Israel العبرية أن التعديلات شملت تحديدًا دقيقًا لأطوال وأعماق مناطق العازل الجديدة، مع تقليص جزئي لها مقارنة بالمسودتين السابقتين، دون التخلي عن مبدأ الوجود الأمني المحدود لمراقبة وضبط الحدود.

ورغم هذه التعديلات، لم تتضمن المسودة الثالثة تفاصيل إضافية تتعلق بحجم المساعدات الإنسانية، أو آليات تبادل الأسرى، أو جدول زمني واضح لإعادة الإعمار، ما اعتبره مراقبون إعادة إنتاج لنفس النقاط الجوهرية بصيغة معدّلة شكليًا.

من جهتها، تحاول إسرائيل إظهار مرونة تدريجية من خلال تقليص المساحات، دون تقديم تنازل فعلي عن نقاط السيطرة الحيوية.

موقف حماس

من جانبها، رفضت حماس المسودة جملة وتفصيلاً، وتُصر على انسحاب كامل وإنهاء أي تواجد عسكري داخل غزة كشرط أساسي لأي اتفاق نهائي.

محور موراغ.

خريطة التمركزات الإسرائيلية في غزة

وسط ضغوط إقليمية وتقدم بطيء في مفاوضات وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل دفع مسودات متتالية تتضمن انسحابًا عسكريًا جزئيًا من غزة، مع الإبقاء على “مناطق أمنية” تُشكل بنية تحتية للسيطرة العسكرية والرقابة الحدودية.

تشير الوثائق والمعلومات المتاحة إلى خطة إعادة تموضع لا تشمل انسحابًا كاملاً، مما أثار اعتراضًا فلسطينيًا واسعًا ورفضًا من حركة حماس لأي تسوية لا تتضمن إنهاء التواجد الإسرائيلي بالكامل داخل القطاع.

انسحاب محدود وبقاء تكتيكي

في المسودة المقدمة بتاريخ 27 مايو 2025، اقترحت إسرائيل انسحاب القوات من المناطق ذات الكثافة السكانية، خصوصًا باتجاه محاور نتساريم وشارع الكويت، وفقًا لما نقلته وكالة الأناضول وThe Times of Israel وAl Majalla، كما نصّت الخطة على إخلاء شارع رشيد خلال الأسبوع الأول من بدء وقف إطلاق النار، يتبعها انسحاب تدريجي من الممرات الأخرى خلال 22 يومًا.

لكن بالمقابل، شدّدت إسرائيل على الاحتفاظ بثلاثة “ممرات أمنية” رئيسية:

  • كوريدور موراغ (بين رفح وخان يونس – بعرض 1 كلم وطول يُقارب 12 كلم).
  • محور فيلادلفي الحدودي مع مصر، الذي شهد توسيعًا في التمركز منذ مايو 2024.
  • محور نتساريم، الذي يفصل شمال غزة عن وسطها، ويُعد نقطة فصل استراتيجية.

خلال مفاوضات الدوحة، قدّمت إسرائيل نسختين معدلتين من خريطة التمركز الأمنية، حيث طلبت النسخة الأولى بقاء سيطرة إسرائيلية على أكثر من ثلث القطاع، مع منطقة عازلة بعمق 3 كيلومترات في رفح.

لكن إثر اعتراضات دولية وضغط مباشر من الولايات المتحدة وقطر، وافقت إسرائيل على تقليص عمق المنطقة العازلة إلى 2 كلم، بحسب صحيفة The Times of Israel.

لكن هذا التعديل لم يلبِّ المطالب الفلسطينية، واعتبرته حماس تعديلًا شكليًا لا يُغيّر من طبيعة الاحتلال العسكري ولا يفتح المجال لعودة حقيقية للمدنيين.

نقاط التمركز وخوف التهجير

أحد أخطر ما ورد في هذه الخطط هو ما تسميه إسرائيل “المدينة الإنسانية” جنوب رفح، وهي منطقة محصورة ضمن الممرات الأمنية تقترح تجميع نحو 600 ألف نازح فلسطيني فيها، وفقًا لتقارير وكالة الأناضول وAP News وThe Guardian.

أثار المشروع موجة من التحذيرات، حيث وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بأنه يُشبه “معسكر تركيز حديث”، ويُخشى أن يكون غطاءً لعملية تطهير عرقي صامت.

تشمل الخطة أيضًا فرض قيود مشددة على حركة السكان بين شمال ووسط وجنوب غزة، عبر تقطيع أوصال القطاع، واشتراط تصاريح أمنية للعبور بين المناطق، بينما سيكون معبر رفح تحت رقابة إسرائيلية مباشرة، مع فرض فترات وقف للطيران العسكري تصل إلى 12 ساعة يوميًا فقط في سياق عمليات تبادل الأسرى أو التهدئة.

موقف حماس

تُصرّ حركة حماس على أن أي خطة لا تنص على انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع وإنهاء الوجود العسكري بشكل نهائي، هي خطة مرفوضة ولا تصلح كأساس لاتفاق دائم.

كما أفادت مصادر دبلوماسية في الدوحة أن النسخة المعدّلة التي قُدمت منتصف يوليو بطلب أمريكي – قطري، رغم تقليصها النسبي للمنطقة العازلة، لم تُرضِ المفاوضين الفلسطينيين، الذين اعتبروا أن بقاء المحاور الأمنية والممرات يجعل من غزة منطقة منزوعة السيادة وخاضعة لرقابة إسرائيلية طويلة الأمد.