البق يهدد آثار الدرب الأحمر ومصادر تكشف عدم استجابة الأوقاف

أعرب عدد من أهالي منطقة الدرب الأحمر، الذين اعتادوا زيارة جامع أثري في المنطقة، عن قلقهم من انتشار الحشرات الضارة داخل الجامع، ما دفعهم لمحاولة استقدام شركة متخصصة لمعالجة هذه المشكلة، إلا أنهم واجهوا بعض التحديات بسبب أن الجامع يعود للعصر المملوكي، مما يستدعي مراعاة الجوانب الأثرية خلال أي إجراءات قد تُعرض الأثر للخطر.

البق يهدد آثار الدرب الأحمر ومصادر تكشف عدم استجابة الأوقاف
البق يهدد آثار الدرب الأحمر ومصادر تكشف عدم استجابة الأوقاف

بداية القصة

بدأت القصة عندما علم محرر نيوز رووم، خلال زيارته لـ«مدرسة أيتمش البجاسي» الأثرية، والتي تُستخدم كجامع لأهالي شارع باب الوزير في منطقة الدرب الأحمر، بأن الأهالي بصدد استقدام شركة لتنظيف الجامع بسبب انتشار حشرة البق، التي تهدد المصلين وقد تنتشر في منازلهم.

واجه رواد الجامع صعوبة في تنفيذ هذه الخطوة، نظرًا لكون الجامع أثريًا ويخضع لإشراف وزارة السياحة والآثار، التي يجب أن تشرف على أي إجراء يتعامل بشكل مباشر مع الأثر، خاصة أن المواد الكيماوية المستخدمة ستؤثر على الأحجار والأخشاب الأثرية.

علاوة على ذلك، اشتكى الأهالي من تسرب المياه من سقف الجامع الأثري أثناء هطول الأمطار، حيث أن ميولات السقف غير منضبطة، مما يؤثر بشكل مباشر على المصلين.

ردود رسمية

تواصلت خبر صحمع الإدارة المسؤولة عن الجامع في وزارة السياحة والآثار، التي أوضحت أن الجامع يخضع للإشراف الأثري فقط، بينما ملكيته تعود لوزارة الأوقاف، وقد تم مخاطبة الأوقاف بشأن عدة مشكلات في الجامع لتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لحلها.

من جهة أخرى، تواصلت خبر صحمع قيادة في المجلس الأعلى للآثار، التي أكدت أن الآثار تخاطب الأوقاف بشكل مستمر نظرًا لعدم وجود عامل من الأوقاف في الجامع، وأحيانًا يُترك العامل مفاتيح الجامع لأهالي المنطقة لأداء الصلوات، مما يؤدي إلى استخدام الجامع للمبيت أحيانًا، وهو ما يهدد الأثر بخطر السرقة.

قال المصدر، إن الحشرات والآفات انتشرت في الجامع بسبب سوء الاستخدام، وقد تم مخاطبة وزارة الأوقاف عدة مرات رسميًا لتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لتنظيف الجامع، وكان آخر تلك المخاطبات بتاريخ 14 أبريل 2025م، وأكد المصدر أنه تم التواصل هاتفيًا مع مسؤولي وزارة الأوقاف للسرعة في الإنجاز، وأفادوا أنه جارٍ التعاقد مع شركة لمكافحة الآفات في الجامع، مع التأكيد على مخاطبة التفتيش بشأن بدء تلك الأعمال للمتابعة، حيث أن المسجد ملك الأوقاف ويقام به الشعائر، وهي الجهة المسؤولة عن نظافته وصيانته، بينما تشرف الآثار على أي إجراء يتم فيه.

حالة السقف

صرح المصدر لموقع نيوز رووم، أنه تم إجراء معاينة للجامع من قبل الإدارة الهندسية في قطاع المشروعات بوزارة السياحة والآثار، والإدارة الهندسية بوزارة الأوقاف، والمنطقة المختصة، بتاريخ 9 سبتمبر 2023م، وتم عمل مقايسة للأعمال وإرسالها إلى وزارة الأوقاف، بالإضافة إلى محضر معاينة سابق للسقف بنفس التوصيات بتاريخ 12 أبريل 2023م، ومحاضر أخرى لمعاينات للسقف في أشهر أكتوبر وديسمبر 2023م، وتم إرسال كافة التوصيات إلى وزارة الأوقاف، ولكن لم يحدث أي تحرك من الأوقاف لتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لبدء الأعمال.

مدرسة أيتمش البجاسي: شاهد على فنون العمارة المملوكية

تُعتبر مدرسة أيتمش البجاسي، المعروفة أيضًا باسم المدرسة البجاسية، واحدة من أبرز التحف المعمارية الإسلامية التي تزين مدينة القاهرة التاريخية، تقع هذه المدرسة في منطقة الدرب الأحمر، بالقرب من جامع الأزهر الشريف، وتمثل نموذجًا فريدًا للفنون المعمارية التي سادت في العصر المملوكي.

تاريخ التأسيس والباني

بُنيت مدرسة أيتمش البجاسي في القرن الرابع عشر الميلادي، وتحديدًا عام 1383م، في عهد السلطان الظاهر برقوق، حيث أمر بإنشائها الأمير سيف الدين أيتمش البجاسي، أحد كبار أمراء المماليك الجراكسة، الذي كان يتمتع بنفوذ ومكانة مرموقة في بلاط السلطان، وكان أيتمش البجاسي من الأمراء المهتمين بالعلم والعمارة، وقد شيد هذه المدرسة لتكون مركزًا لتدريس العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية، بالإضافة إلى كونها مسجدًا ومقامًا له.

الطراز المعماري والزخارف

تتميز المدرسة بطرازها المعماري المملوكي الذي يجمع بين الفخامة والدقة في التفاصيل، ومن أبرز سماتها:

الواجهة

تتميز الواجهة الرئيسية للمدرسة بمدخل شاهق مزين بالمقرنصات الرائعة والزخارف الهندسية والنباتية الدقيقة، كما يبرز على الواجهة الشبابيك الجصية المزخرفة والنصوص القرآنية المنقوشة.

الصحن

تتوسط المدرسة صحن مكشوف، تحيط به أربعة إيوانات (قاعات) رئيسية، كانت مخصصة للتدريس والإقامة، ويظهر في الصحن استخدام الرخام الملون بأنماط هندسية جميلة.

القبة

تعلو المدرسة قبة ضخمة، وهي من أبرز عناصر المدرسة، وتتميز بزخارفها الداخلية والخارجية التي تعكس براعة الفنانين في العصر المملوكي.

المئذنة

تتميز المئذنة بتصميمها الفريد الذي يعكس تطور فنون بناء المآذن في تلك الفترة، مع تدرج في الأشكال والزخارف.

المحراب والمنبر

داخل قاعة الصلاة، يتميز المحراب والمنبر بزخارفهما الدقيقة المصنوعة من الرخام والخشب المطعم بالعاج والصدف.

الوظيفة والأهمية

لم تكن مدرسة أيتمش البجاسي مجرد مكان للعبادة، بل كانت مركزًا تعليميًا وثقافيًا متكاملًا، حيث كانت تستقبل الطلاب من مختلف الأقطار ليتلقوا العلم على يد كبار العلماء في ذلك العصر، كما كانت تضم مكتبة غنية بالمخطوطات، وسبيلًا لسقي الماء، ما يجعلها مجمعًا خدميًا ودينيًا وتعليميًا متكاملًا يخدم المجتمع، وتُعد المدرسة اليوم من أهم الآثار الإسلامية في القاهرة، وشاهدًا حيًا على ازدهار فنون العمارة الإسلامية في العصر المملوكي، وتراثًا يستحق الزيارة والاستكشاف.