رسائل قوية من العواصم الأوروبية للحد من نفوذ إيران بأي وسيلة

أفاد باحثون فرنسيون بأن الدول الأوروبية تستعد لتفعيل آلية “السناب باك” كخيار دبلوماسي أخير من أجل إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، في حال عدم نجاح الجهود الحالية لاستئناف المفاوضات النووية، تأتي هذه التطورات في ظل حالة الجمود السائدة في المحادثات، مما دفع باريس وبرلين ولندن إلى إصدار تهديد مشترك بإعادة تفعيل العقوبات في حال عدم تحقق أي تقدم دبلوماسي قريب.

رسائل قوية من العواصم الأوروبية للحد من نفوذ إيران بأي وسيلة
رسائل قوية من العواصم الأوروبية للحد من نفوذ إيران بأي وسيلة

الضربات الجوية الإسرائيلية والأمريكية

هذا التصعيد الأوروبي يتزامن مع تصاعد التوتر الإقليمي، خاصة بعد الضربات الجوية الإسرائيلية والأمريكية التي استهدفت مواقع نووية إيرانية في يونيو الماضي، مما أدى إلى تجميد المفاوضات الهشة بالفعل، ورغم ذلك، من المتوقع أن تُستأنف المحادثات في إسطنبول يوم الجمعة المقبل.

أشار محللون سياسيون إلى أن أوروبا بدأت تتبنى موقفًا أكثر صرامة يُعتبر “الحد الأقصى المقبول” في التعامل مع إيران، وذلك ضمن استراتيجية تهدف لحماية مصالحها النووية والأمنية، وأوضحوا أن التحول في لهجة فرنسا وألمانيا وبريطانيا يعكس استياءً دبلوماسيًا متراكمًا على مدى السنوات الثلاث الماضية، خاصة بسبب تصاعد الأنشطة الإيرانية خارج حدودها، سواء في سوريا أو لبنان أو البحر الأحمر.

استمرار سياسة “ضبط النفس الأوروبي” قد يُفسَّر في طهران كدليل ضعف، مما يفتح المجال لمزيد من التعنت الإيراني، وقد أكد المحللون أن التلويح بآلية “السناب باك” لا يُوجه فقط رسالة تحذيرية لإيران، بل يشكل أيضًا إنذارًا لبكين وموسكو بأن أوروبا لن تبقى رهينة لشلل مجلس الأمن الدولي، معتبرين أن هذا الموقف الأوروبي يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الاتحاد الأوروبي على التصرف ككتلة جيوسياسية موحدة في القضايا الحيوية.

عجز أوروبا عن الضغط الفعلي على إيران خلال الفترة الماضية دفعها لاستخدام “السناب باك” كورقة ضغط نهائية تهدف إلى حماية ما تبقى من الاتفاق النووي، وقد أضاف المحللون أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، وتردد الأوروبيين في فرض عقوبات صارمة آنذاك، أدى إلى تراجع دورهم بشكل تدريجي، خصوصًا مع تكرار الخروقات الإيرانية، مما جعل التهديد بفرض عقوبات أممية ضرورة لا مفر منها للحفاظ على الردع.

أوضح المحللون أن آلية “السناب باك” تُعد إجراءً قانونيًا لا رجعة فيه بمجرد تفعيله، وهو ما يستدعي من أوروبا توخي الحذر الشديد قبل الإقدام عليه، لكنهم أكدوا في الوقت نفسه أن أوروبا لم تعد تملك مساحة كافية للتراجع، “الرهان هنا لا يقتصر على ردع طهران، بل يشمل أيضًا محاولة استعادة أوروبا لدورها كطرف مستقل ومؤثر في الملف النووي”.

في هذا السياق، تبرز أهمية تنسيق مواقف الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) لمواجهة الاتهامات المتزايدة بضعف النفوذ الأوروبي في المنطقة، مقارنةً بالهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وقد لفت المحللون إلى أن الانقسامات داخل أوروبا حيال سياسة الشرق الأوسط تقوض قدرتها على فرض أدوات ردع فعالة، لذا يجب أن يُفهم التحرك الثلاثي الأخير كمحاولة لبناء موقف أوروبي موحد في القضايا الأمنية الحساسة، وليس مجرد خطوة تكتيكية عابرة.

رأى المحللون أن نجاح آلية “السناب باك” لا يُقاس فقط بمدى فاعليتها في إعادة العقوبات، بل بقدرتها على دفع إيران مجددًا إلى طاولة المفاوضات، وإذا فشلت الآلية في ذلك، فقد تضطر أوروبا إلى التفكير في خيارات أخرى، مثل العقوبات الفردية أو التنسيق مع قوى إقليمية للضغط بشكل مشترك، بعيدًا عن الاعتماد الكامل على الموقف الأمريكي.

ما هي آلية “السناب باك”؟

تعود هذه الآلية إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 (JCPOA)، وقد جرى تضمينها في قرار مجلس الأمن رقم 2231، وتنص الآلية على أنه في حال ارتكبت إيران خرقًا كبيرًا للاتفاق، يمكن لأي دولة مشاركة فيه – مثل فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا – تقديم طلب رسمي لمجلس الأمن لإعادة فرض العقوبات، عندها يبدأ عدّ تنازلي مدته 30 يومًا، وفي حال عدم صدور قرار جديد من المجلس باستمرار تعليق العقوبات، تُعاد تلقائيًا دون الحاجة لتصويت جديد، ودون إمكانية استخدام روسيا أو الصين لحق النقض (الفيتو) لمنع ذلك.

ما المخاطر التي تترتب على إيران؟

يمثل تفعيل آلية “السناب باك” خطرًا بالغًا على الاقتصاد الإيراني، حيث يؤدي إلى إعادة فرض الحظر الدولي على الأسلحة، وفرض قيود صارمة على نقل المعدات النووية، إلى جانب عقوبات مصرفية وتأمينية واسعة النطاق، وكان وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو قد صرّح بأن “رفض إيران العودة إلى مفاوضات جادة سيدفع أوروبا إلى استخدام هذه الآلية، القادرة وحدها على إعادة فرض عقوبات كانت معلّقة منذ عشر سنوات”.

ومع أن هذا التهديد يلوح في الأفق، لا تزال الدول الأوروبية تأمل في إنقاذ الاتفاق النووي دون اللجوء لتفعيل الآلية، مؤكدة تمسكها بمفاوضات فورية وشاملة قد تُستأنف في إسطنبول قريبًا.

من جهتها، ردّت طهران على التهديد الأوروبي بالرفض والاستنكار، معتبرة أن الدول الأوروبية فقدت شرعيتها في تفعيل “السناب باك” بسبب انحيازها لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وفقًا لما كتبه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على منصة “إكس”، كما نفت إيران وجود أي أهداف عسكرية لبرنامجها النووي، رغم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذرت مؤخرًا من أن طهران بدأت بالفعل تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، مما يقرّبها من النسبة اللازمة لصنع أسلحة نووية.