في إطار التسريبات المتعلقة بمخرجات اجتماع باريس الأخير الذي جمع وزيري خارجية فرنسا وسوريا، بالإضافة إلى المبعوث الأمريكي توماس باراك، يبدو أن هناك توجهًا نحو تعزيز اللامركزية في سوريا، حيث بدأت تظهر على الأرض مؤشرات تدعم هذا الاتجاه، وسط استمرار الانسداد السياسي بين دمشق والطائفة الدرزية.

مقال له علاقة: الجيش الإسرائيلي يدعي تدمير منشأة لإنتاج اليورانيوم المعدني في أصفهان
وذكرت مصادر سياسية مطلعة على كواليس الاجتماع في تصريحات صحفية أن اللقاء أكد أن هيكل السلطة الحالي في سوريا لم يعد قابلاً للاستمرار، مشيرة إلى أن الوفد السوري تلقى رسالة واضحة مفادها أن احتكار القرار السياسي لم يعد مقبولًا.
اقرأ كمان: خبير دولي يؤكد أن قرار وقف الهجمات بين إسرائيل وإيران نتج عن مبادرة أمريكية أحادية
كما أشار البيان الثلاثي الصادر عن الاجتماع في بنده الثاني إلى دعم الحكومة السورية في مسار “انتقال سياسي يهدف لتحقيق المصالح الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعي، خصوصًا في شمال شرق سوريا ومحافظة السويداء”، مما يدل على إمكانية بدء نموذج لامركزي في هاتين المنطقتين.
وفي سياق متصل، كشفت المصادر أن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، التقى نظيره الإسرائيلي للشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، وتم الاتفاق على نزع السلاح من جنوب سوريا، بما في ذلك السويداء ودرعا والقنيطرة، مع منع قوات الأمن السورية من دخولها، على أن يتولى أبناء المنطقة المسؤولية الأمنية تحت إشراف إسرائيلي غير مباشر، ووفقًا للمصادر ذاتها، فقد أبدى الشيباني موافقة مبدئية على هذا التوجه.
السويداء: مقاطعة نقابية وتفكك إداري
ترافق التحولات السياسية مع خطوات سريعة على الأرض في محافظة السويداء، حيث أعلنت عدد من النقابات المهنية والقطاعات المدنية انفصالها عن مؤسسات السلطة المركزية في دمشق، في خطوة اعتُبرت مقدمة فعلية لفك الارتباط الإداري.
وكانت البداية مع نقابة المهندسين الزراعيين فرع السويداء، التي نعت أربعة من أعضائها سقطوا خلال المواجهات الأخيرة، وأعلنت وقف التعامل مع النقابة المركزية إلى حين “تغيير النظام وإقامة سلطة تمثل الشعب وتصون كرامته”.
وتوالت بيانات المقاطعة من بينها:
- نقابة المعلمين التي أعلنت استقلالها الكامل، ووصفت دمشق بـ”شريكة الدم”
- نقابة الصيادلة التي اتهمت النقابة الأم بـ”الانحياز للسلطة”
- نقابة الأطباء البيطريين والعمال التي أعلنت وقف التعامل مع النقابات المركزية
- فرع نقابة المحامين الذي أعلن استقالة جماعية احتجاجًا على ما وصفه بـ”انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين”
وتأتي هذه التحركات في ظل تصاعد الغضب الشعبي، خاصة بعد المواجهات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 814 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى نحو 900 جريح، في ظل تدهور حاد بالأوضاع الإنسانية.
محاولة إدارة محلية ثم تراجع
تزامنًا مع تلك التطورات، أعلنت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز عن تشكيل لجان قانونية وإنسانية لإدارة شؤون المحافظة، وعينت مروان رزق متحدثًا رسميًا باسمها، لكن البيان حُذف بعد أقل من 24 ساعة، كما أُسقط لاحقًا بيان تعيين رزق، في ظل انتقادات اتهمته بتجاوز الأعراف واحتكار القرار.
عدم صدور توضيح رسمي من الرئاسة الروحية حتى الآن، فُسر بأنه يعكس حالة التردد والانقسام داخل الطائفة، وسط دعوات لتفادي الفراغ الإداري.
رزق: اللامركزية خيار لا رجعة عنه
رغم تراجع الرئاسة الروحية، خرج مروان رزق بتصريحات حاسمة، مؤكدًا أن اللامركزية باتت الخيار الوحيد لإنقاذ السويداء، مطالبًا بإقالة رئيس السلطة المركزية أحمد الشرع، متهمًا سلطات دمشق بالتورط في محاولة اغتياله بطائرة مسيّرة.
وأشار رزق إلى أن التحركات الجارية تعكس إرادة أبناء المحافظة في العيش ضمن دولة مدنية تحفظ حقوق جميع المكونات، دون إقصاء أو تهميش.