في خطوة غير متوقعة تحمل دلالات متعددة، قام المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بزيارة القرى الدرزية الواقعة بين جبل الشيخ وريف دمشق قبل يومين، تحت عنوان “الاطلاع على مشاريع مدنية” ينفذها الجيش المحتل لمساعدة الطائفة الدرزية.

من نفس التصنيف: ترامب يربط العفو الرئاسي بصفقات الولاء مع مكافآت سياسية ومالية قانونية
ورغم الطابع الإنساني الذي حاول أدرعي إضفاءه على الزيارة، والتي شملت لقاءات مع وجهاء محليين وفعاليات درزية، إلا أن توقيتها والسياق الإقليمي المحيط بها يثيران الكثير من التساؤلات، خاصة في ظل التصعيد الميداني في الجنوب السوري وسقوط مئات الضحايا من الدروز خلال الأسابيع الماضية.
إسرائيل تقدم نفسها كـ”حامية للأقليات”
يرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى تقديم نفسها كطرف حمائي للأقليات في المنطقة، في مواجهة ما تصفه بـ”تقصير أو تواطؤ النظام السوري وحلفائه الإيرانيين تجاه مكونات الشعب السوري”، خصوصًا مع تزايد التوتر في مناطق الجنوب.
ورغم اقتصار الزيارة على الطائفة الدرزية، إلا أن أصداءها تجاوزت الجنوب السوري لتصل إلى المكونات الكردية والمسيحية في الشمال والغرب، حيث عبرت بعض الجهات عن قلقها من أن تصبح هذه الخطوة نموذجًا قابلاً للتكرار مع جماعات أخرى تحت عنوان “الحماية من النظام أو الجماعات المتشددة”، مما يُعيد إلى الواجهة مجددًا سيناريوهات التقسيم أو الفدرلة الطائفية في سوريا.
مقال له علاقة: محادثات سرية بين دمشق وتل أبيب وما يحدث في الكواليس
بين حماية الأقليات وتمدد النفوذ
في هذا السياق، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي إلياس الزغبي أن زيارة أدرعي ليست مجرد مبادرة رمزية، بل تأتي في إطار مخطط إسرائيلي أوسع لتحصين حدود الدولة من الشمال والجنوب والشرق، عبر خلق مساحات جغرافية خالية من السلاح وديمغرافية صديقة.
ويضيف الزغبي في حديث لـ”المركزية” أن هذا المخطط بات واضح المعالم، خصوصًا في مناطق الجنوب السوري، وقد يمتد مستقبلاً إلى جنوب لبنان، مشيرًا إلى ما يُعرف بممر داوود، وهو ممر استراتيجي يربط جنوب سوريا، مرورًا بالجولان ودرعا والسويداء، وصولًا إلى المناطق الكردية في سوريا والعراق، ومن ثم إلى أوروبا الشرقية، مما يعكس نية إسرائيل بفتح قنوات اقتصادية وتجارية إلى جانب الأمنية.
ويعتبر الزغبي أن الهدف النهائي لهذا المشروع هو ضمان الاستقرار على المدى الطويل، من خلال خلق “مثلث جغرافي وديمغرافي واقتصادي”، وهو ما يفسر تنامي الاهتمام الإسرائيلي بالطائفة الدرزية في الجنوب السوري، وخصوصًا في منطقة السويداء، التي شهدت مؤخرًا أحداثًا دامية لم تكن بحسب رأيه “صراعًا داخليًا بحتًا، بل تتقاطع مع الأجندة الإسرائيلية في المنطقة”.
رسائل موجهة للداخل والخارج
تنطوي الزيارة، بحسب الزغبي، على رسائل موجهة ليس فقط إلى الدروز، بل إلى مكونات أخرى داخل سوريا، وقد تفضي إلى تقاربات سياسية تحت رعاية أميركية وفرنسية، وبتشجيع إسرائيلي، تقوم على معادلة “مناطق منزوعة السلاح مقابل حماية الأقليات”.
ويشير إلى أن تل أبيب تولي اهتمامًا متزايدًا بدروز الجولان والجنوب السوري، بالتنسيق مع دروز إسرائيل الذين يلعبون دورًا في رسم هذا التكامل الديمغرافي الممتد إلى حدود لبنان.
انعكاسات محتملة على لبنان
أما في ما يتعلق بلبنان، فيشير الزغبي إلى أن الوضع في لبنان، وتحديدًا في ما يخص الطائفة الدرزية، لا يزال أكثر حساسية من نظيره في سوريا، ويضيف: “حتى الآن، لم تتضح طبيعة الدور الذي قد تلعبه هذه الطائفة في المشروع الإقليمي الجاري، لكن المؤكد أن دروز لبنان تعاملوا بحذر مع أحداث السويداء، وساهموا في ضبط إيقاعها سياسيًا، بينما خفتت بعض الأصوات الأخرى نتيجة افتقادها لأي دعم إقليمي أو غطاء داخلي مستدام”
ويتابع الزغبي: “إذا ما تم التوصل إلى تفاهمات بين النظام السوري وإسرائيل برعاية أميركية، فإن تأثير ذلك سيصل حتمًا إلى لبنان، الذي سيجد نفسه من جديد متلقيًا للرسائل السياسية والأمنية القادمة من الخارج”
دور اتفاقيات التطبيع والتغيير الإقليمي
ومع اقتراب ما يصفه الزغبي بالمرحلة النهائية لرسم خرائط جديدة للشرق الأوسط، تحت مظلة ما يسمى بـ”الاتفاقات الإبراهيمية”، تصبح الطائفة الدرزية في قلب الرؤية الأمريكية للمنطقة، حيث من المتوقع أن تشمل هذه الاتفاقات ما يقرب من عشر دول عربية، بما فيها لبنان، في مرحلة لاحقة.
ويختم الزغبي بالإشارة إلى أن “اكتمال هذا المسار السياسي يتطلب أولاً تحقيق قدر كافٍ من الاستقرار الأمني، لا سيما في جنوب لبنان، وتحديدًا منطقة وادي التيم بين حاصبيا وراشيا ذات الغالبية الدرزية”، معتبرًا أن هذه الخطوة مرتبطة بشكل وثيق بمصير ملفات إقليمية شائكة، على رأسها سلاح حزب الله ومستقبل البرنامج النووي الإيراني، وتفكيك شبكات النفوذ التابعة لطهران في المنطقة.