في عالم البنوك، تظهر الأرقام وكأنها دقيقة ومحسوبة، ولكن خلف كل رقم تكمن دلالات قد تكشف عن استقرار أو هشاشة، ومن بين هذه الأرقام، تبرز نسبة القروض إلى الودائع كمؤشر رئيسي لقياس قدرة البنك على الإقراض دون تهديد سيولته.

شوف كمان: أسعار الذهب في مصر اليوم تشهد قفزة مفاجئة بعد الصراع الإسرائيلي الإيراني
فالبنك الذي يسعى لمنح القروض قد يحقق أرباحًا سريعة، لكن إذا تجاوز الحد المسموح، قد يواجه أزمة ثقة وأزمة سيولة، ومع تسارع الإقراض في السوق المصرية، يبرز سؤال مهم، إلى أي مدى تظل البنوك في المنطقة الآمنة؟ وهل تقترب بعض المؤسسات من الخط الأحمر؟
ما المقصود بنسبة القروض إلى الودائع؟
تعتبر هذه النسبة مقياسًا لحجم القروض التي تمنحها البنوك مقارنة بإجمالي الودائع التي تستقبلها من العملاء، فإذا ارتفعت النسبة بشكل كبير، فهذا يعني أن البنك يضخ جزءًا كبيرًا من أمواله في القروض، مما قد يعرضه لمخاطر السيولة إذا طلب المودعون أموالهم في وقت واحد، أما إذا كانت منخفضة جدًا، فقد يشير ذلك إلى ضعف نشاط الإقراض أو تحفظ مفرط من جانب البنك.
الوضع في البنوك المصرية.. أرقام وتطورات
وفقًا لتقارير البنك المركزي المصري، تراوحت نسبة القروض إلى الودائع خلال السنوات الأخيرة بين 45 و55 % في معظم البنوك، وهي نسبة تعتبر معتدلة ومقبولة نسبيًا، لكن بعض البنوك الخاصة تجاوزت حاجز 60 %، مما يثير قلق المتخصصين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتقلبة.
مقال مقترح: تفاصيل مصروفات فتح حساب التوفير في البنوك بحد أدنى 50 جنيها
قال أشرف غراب، الخبير المصرفي، إن هذه النسبة تعد من أهم مؤشرات قياس الأداء في القطاع المصرفي، وزيادتها قد تعني أن البنك ينشط في الإقراض، لكنه قد يكون معرضًا لمخاطر حال تعثر المقترضين أو حدوث سحب جماعي للودائع، وأضاف أن الحدود الآمنة عالميًا تتراوح عادة بين 70 إلى 80 %، وأي تجاوز لتلك النسبة دون وجود غطاء نقدي أو أصول قوية يمثل تهديدًا للسيولة.
من جانبه، أشار مسؤول بإحدى البنوك الحكومية إلى ضرورة الحفاظ على توازن بين القروض والودائع لضمان استقرار البنوك وثقة العملاء، موضحًا أن الرقابة المصرفية في مصر باتت أكثر صرامة في متابعة هذه النسبة خلال السنوات الأخيرة.
المخاطر المحتملة في حال الارتفاع المبالغ فيه:
تشمل انخفاض السيولة المتاحة لدى البنك، وزيادة خطر التعثر إذا كانت القروض غير مدروسة، وصعوبة في مواجهة الأزمات الاقتصادية المفاجئة، وتراجع ثقة العملاء وسحب محتمل للودائع.
آليات الرقابة:
يلزم البنك المركزي المصري جميع البنوك بمراعاة حدود معينة لنسبة القروض إلى الودائع، كما يقوم بإصدار تعليمات دورية وإجراء اختبارات ضغط لضمان سلامة المراكز المالية، وتلتزم البنوك بتقديم تقارير تفصيلية دورية عن حركة الودائع والقروض، بما يضمن استمرارية الرقابة وضبط الأداء.
مقارنة بين البنوك الحكومية والخاصة:
تُظهر البيانات المتاحة تباينًا واضحًا بين البنوك الحكومية والخاصة في مصر فيما يتعلق بنسبة القروض إلى الودائع، ففي الوقت الذي تميل فيه البنوك الحكومية مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر إلى اتباع سياسات تحفظية، حيث تتراوح نسبة القروض إلى الودائع لديها بين 40 و50 %، نجد أن بعض البنوك الخاصة تتوسع أكثر في الإقراض، وتقترب نسبتها أحيانًا من 65 % أو أكثر.
ويرجع هذا التفاوت إلى اختلاف الأهداف والسياسات:
البنوك الحكومية تضع في أولوياتها الحفاظ على الاستقرار ودعم المشروعات القومية، وهو ما يجعلها أقل اندفاعًا نحو الإقراض، أما البنوك الخاصة، فتركز بشكل أكبر على تعظيم الأرباح وتحقيق نسب عائد أعلى للمساهمين، مما يدفعها إلى التوسع في الإقراض الاستهلاكي والتمويلي، خاصة في قطاعات مثل العقارات والسيارات والتعليم الخاص، كما أن البنوك الخاصة تتمتع بمرونة أكبر لكنها أيضًا أكثر تعرضًا للمخاطر في حال حدوث تقلبات اقتصادية حادة، بينما توفر البنوك الحكومية نوعًا من “شبكة الأمان” بسبب دعم الدولة ورقابة البنك المركزي الصارمة.